يقترح المشروع التمهيدي للقانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية، جملة من التعديلات الجديدة غير المسبوقة، حيث تضمن بنودا تنهي عهد التجوال السياسي الذي لطالما أرق السلطات والأحزاب السياسية والمواطنين على حد سواء، وكذا الممارسة الديمقراطية، وأخلط حسابات بعض المجالس المنتخبة.
جاء نص المشروع بأحكام ومواد تعزز مبدأ التعددية السياسية المكرس دستوريا وتثري الأحكام المتعلقة بإنشاء الأحزاب السياسية، وتعتمد القواعد والمبادئ وسيرها، وكذا تكرس مبدأ الشفافية في تسيير مالية الأحزاب السياسية الديمقراطية في تنظيم الأحزاب السياسية وبغرض مجابهة كل أشكال الفساد في الحياة السياسية.
ويضع مشروع قانون الأحزاب السياسية، الذي وزعت نسخ منه على التشكيلات السياسية لإثرائه، تحوز “الشعب” نسخة منه، حدّا لظاهرة التجوال السياسي، التي نجم عنها، بحسب نص المشروع تخلي بعض المنتخبين خلال عهدتهم الانتخابية عن انتمائهم الحزبي الذي انتخبوا في إطاره، وهو ما اعتبره “ضربا لمصداقية العمل السياسي”، وضع حد نهائي لهذه الممارسات من خلال الأحكام الدستورية الجديدة، التي تمنع من الآن فصاعدا كل منتخب يمارس عهدته على مستوى إحدى غرفتي البرلمان، تغيير انتمائه السياسي خلال عهدته الانتخابية تحت طائلة شطبه من عضوية البرلمان. كما استلهم هذا المشروع التمهيدي من هذه الأحكام الدستورية من أجل بلوغ الأهداف المتوخاة منها وذلك بشطب هذا العضو نهائيا من قوائم الحزب السياسي، كإجراء لمجابهة ظاهرة التجوال السياسي.
بالمقابل، ترك المشروع التمهيدي للأحزاب، في إطار توسيع مشاركة الشباب والمرأة داخل الحزب السياسي، تطبيقا لأحكام الدستور، الخيار للتشكيلات السياسية لتحديد نسبة تمثيل النساء والشباب داخل مختلف أجهزة وهياكل الحزب وإدراجها في قانونه الأساسي.
شروط إنشاء الأحزاب السياسية
وفي باب شروط إنشاء الأحزاب السياسية، يقترح المشروع التمهيدي أحكاما جديدة تتعلق بالإجراءات المرتبطة بدراسة ملف طلب تأسيس حزب سياسي وكذا ملف طلب اعتماده لسد الثغرات القانونية المسجلة بها، والتي برزت أكثر من خلال التعامل مع هذه الملفات.
بخصوص دراسة الملف المتعلق بطلب تأسيس واعتماد الحزب وتمديد آجال الدراسة، تنص هذه الأحكام على إمكانية طلب الإدارة لأي وثيقة ثبوتية ضرورية لاستكمال دراسة ملف طلب التأسيس أو ملف طلب الاعتماد، أو طلب استبدال أي عضو في الحزب لا يستوفي الشروط المطلوبة على إثر ذلك، تمدد الآجال القانونية المرتبطة بدراسة هذين الملفين بثلاثين يوما من تاريخ إيداعهما، وذلك حتى يتسنى للإدارة البت فيهما خلال الآجال المحددة قانونا والملزمة باحترامها.
توسيع تمثيل الولايات خلال انعقاد المؤتمر التأسيسي
عدلت الأحكام الجديدة للمشروع التمهيدي للقانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية، نسبة تمثيل الولايات في المؤتمر التأسيسي وهذا تداركا للسهو المسجل بالقانون العضوي ساري المفعول. فالقانون العضوي ساري المفعول يشترط بأن يجمع المؤتمر التأسيسي أربعمائة مؤتمِر على الأقل، منحدرين عن ثلث عدد الولايات على الأقل، دون أن يقل عند المؤتمرين عن ستة عشر مؤتمِرا عن كل ولاية.
غير أنه وبغية بلوغ الحد الأدنى لعدد المؤتمرين، اشترطت الأحكام الجديدة لمشروع القانون أن يكون المؤتمر ممثلا على الأقل بخمس وعشرين ولاية. وعليه، تمت مطابقة عدد المؤتمرين مع عدد الولايات الممثلة، من خلال إعادة النظر في النسبة الممثلة للولايات في المشروع التمهيدي لهذا القانون العضوي لتبلغ 50% من عدد الولايات على الأقل.
وبالنسبة لمحاضر انتخاب المندوبين على مستوى الولايات، نصت الأحكام الجديدة للمشروع التمهيدي على وجوب حضور المحضر القضائي عملية انتخاب المؤتمرين على مستوى الولاية، حتى تتمكن الإدارة من التحقق من استيفاء النصاب القانوني للمؤتمرين على مستوى كل ولاية معنية، على أن يحرر المحضر القضائي محاضر بحيث يتم إدراجها كوثيقة يتضمنها ملف طلب الاعتماد.
اعتماد المبادئ الديمقراطية في تنظيم وسير الحزب
تلزم أحكام المشروع التمهيدي للأحزاب السياسية، اعتماد القواعد والمبادئ الديمقراطية كأسلوب الانتخاب في تقلد المسؤوليات، ومبدأ التداول الديمقراطي في تنظيم الحزب السياسي وسيره، والتي تجعل منه حزبا مشاركا ومندمجا وفعالا في الحياة السياسية.
في هذا الإطار، تم التأكيد على أن أجهزة الحزب تنتخب لعهدة مدتها خمس سنوات كأقصى حد، مع إمكانية تجديدها، بصفة متتالية، مرة واحدة.
في السياق ذاته، تشترط أحكام هذا المشروع التمهيدي اعتماد الحزب السياسي على لجان وطنية من أجل تنظيم فعال له وسير حسن لنشاطه وفقا للقواعد الديمقراطية، حيث تتمثل هذه اللجان في لجنة استشارية تتولى الإدلاء بالآراء والاقتراحات الممكنة بشأن أية مسألة تهم الحزب السياسية، لجنة الانتخابات تتولى كافة المسائل المتعلقة بمشاركة الحزب في الاستشارات الانتخابية، كما تقترح تقديم الترشيحات للانتخابات، لجنة التكوين تسهر على إبراز الدور الجوهري للحزب السياسي في الحياة السياسية، والذي يكمن في تكوين مناضليه وتحضيرهم لتولي المسؤولية، وكذا تقريبهم من المواطن، من أجل تأطيره وحثه على المشاركة في الحياة السياسية والانخراط في صفوفه، وأخيرا لجنة تسوية النزاعات الداخلية تتولى النظر في المسائل المتعلقة بالنزاعات الداخلية التي تشكل هاجسا حقيقيا للحزب السياسي، كون هذه الأخيرة قد تؤدي إلى توقفه عن النشاط وانسداده، حيث ستضطلع هذه اللجنة بتقدير أسباب النزاع ودوافعه والأطراف المتنازع فيما بينها، من أجل حلها، دون اللجوء إلى الإدارة، مما سيجعل هذه الأخيرة في منأى من بعض المحاولات الرامية إلى إدخالها في الشؤون الداخلية للأحزاب السياسية.
التغييرات التنظيمية داخـل التشكيلات السياسيـة
تضمّن المشروع التمهيدي للأحزاب السياسية أحكاما جديدة تتعلق بالتغييرات التنظيمية داخل الحزب السياسي، وذلك بغية سد النقائص والثغرات المسجلة ضمن أحكام القانون العضوي ساري المفعول في هذا الشأن، والذي يخصص قسما واحدا فقط يتعلق بتبليغ التغييرات إلى الوزير المكلف بالداخلية.
فأمام عدم ضبط القانون العضوي ساري المفعول للإجراءات المرتبطة بإيداع الملف المتعلق بتبليغ التغييرات ومحتواه، وكذا الآثار المترتبة عن عدم قبولها، تواجه الإدارة صعوبات في إيجاد السند القانوني الذي تعتمد عليه أثناء طلبها استكمال الملفات ذات الصلة.
بناء على ما سبق، يحدد هذا المشروع التمهيدي الكيفيات المتعلقة بإيداع الملف المتعلق بالتغييرات التنظيمية واستكماله لدى الوزير المكلف بالداخلية الذي يصدر قرار المطابقة في حالة اعتماد التغييرات.. أما في حالة عدم اعتماد التغييرات، فإن الأحكام الجديدة تمنح للحزب السياسي مهلة للامتثال للمطابقة.
في السياق ذاته، يكون قرار الرفض قابلا للطعن أمام القضاء، وهو ما يعد ضمانة قانونية لصالح الحزب لحماية حقوقه ومصالحه. وبرر نص المشروع إدراج كافة هذه الأحكام لصالح الحزب السياسي، بهدف تفادي حالة الانسداد التي قد تنجم عن عدم اعتماد التغييرات التي طرأت على مستوى أجهزته.
تشكيل التحالفـات السياسيـة والاندماجات
من جهة أخرى، كرس مشروع قانون الأحزاب الجديد حرية تشكيل تحالفات سياسية لأهداف محددة مع حزب أو أحزاب سياسية معتمدة، على أن تكون محل تصريح لدى الوزير المكلف بالداخلية، وهذا من أجل تسهيل نشاطها ومنحها سندا قانونيا. كما كرس المشروع التمهيدي حرية اندماج حزب سياسي في حزب آخر.
أما في إطار احترام المعاملات المالية التي تقوم بها الأحزاب السياسية، فينص هذا المشروع التمهيدي على مبدإ الرقابة على مالية هذه التشكيلات، فيما يتعلق بالتمويل العمومي وقد تم إحالته إلى نص قانوني طبقا للأحكام الدستورية.
حالات توقيف نشاط الحزب السياسي
حدد مشروع قانون الأحزاب السياسية الجديد، حالات توقيف نشاط الحزب السياسي. وجاء في نص المشروع، أن الأحكام الجديدة الواردة تسمح للوزير المكلف بالداخلية، بتوقيف نشاط حزب سياسي وتوجيه إعذار له من أجل تسوية وضعيته، في حالة عدم ممارسته نشاطاته التنظيمية وفق ما تقتضيه أحكام قانونه الأساسي، أو ممارستها بعد انقضاء مدة عهدة أجهزته الوطني، أو في حالة نشوب نزاع بين أعضائه أدى إلى تعطيل نشاط الحزب مخالفة أحكام المتعلقة بالتبليغ عن التغييرات التنظيمية الواردة ضمن مشروع هذا القانون العضوي.
أما فيما يتعلق بحل الحزب السياسي، فقد تمت مراجعة الأحكام التي تنص على أنه يمكن حل الحزب السياسي عن طريق القضاء في حالة ما إذا لم يقدم مترشحين لأربعة انتخابات تشريعية ومحلية متتالية، بحيث يمكن للوزير المكلف بالداخلية، في ظل هذا المشروع التمهيدي الجديد، إخطار العدالة من أجل حل الحزب السياسي الذي لم يقدم مترشحين لموعدين انتخابيين متتاليين.
هذه الأحكام الجديدة من شأنها أن تحث الأحزاب السياسية على المشاركة في مختلف الاستشارات الانتخابية وهو ما يستدعي مراجعة طريقة عملها من أجل التقرب من المواطنين واستقطاب قاعدة نضالية وشعبية، من خلال التعريف ببرامجها السياسية والبروز على الساحة السياسية.
أحكام جزائية وأخرى انتقالية
تمت من خلال هذا المشروع التمهيدي، مراجعة الأحكام الجزائية قصد تكييفها مع التشريع العقابي، وذلك من خلال إعادة النظر في العقوبات المسلطة على كل من يخل بأحكام القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية.أما فيما يتعلق بالأحزاب السياسية المعتمدة الموجودة في وضعية مطابقة، فيتعين عليها مطابقة قانونها الأساسي خلال مؤتمرها الذي يلي انعقاده إصدار هذا القانون العضوي.
وبالنسبة للأحزاب السياسية المعتمدة الموجودة في وضعية نظامية غير مطابقة، فيتعين عليها تسوية وضعيتها في أجل ستة أشهر، ابتداء من تاريخ نشر هذا القانون العضوي في الجريدة الرسمية، تحت طائلة حلها عن طريق القضاء.