يكشف لجوء وزير الداخلية الفرنسي، برينو روتايو، لمحاولة إزعاج بعض المواطنين الجزائريين بمطارات باريس، عن ضحالة موقف حكومة بلاده وغرقها في مستنقع أفكار رجعية ترتبط بالسلوك الإستعماري.
وأمام هذه التصرفات المسيئة لبلاده، تظل الجزائر ثابتة الموقف والمبدأ، تتصرّف وفق مقتضيات القوانين والأعراف التي تحكم العلاقات الدولية.
من موقعه على رأس إحدى أكبر الدوائر الوزارية بفرنسا، يمعن روتايو في إلحاق أكبر قدر ممكن من الإساءة ببلده، من خلال ما يصدر عنه من تصريحات وتعليمات، لا تمت بصلة لثقافة الدولة ولا للمبادئ التي رافقت ظهور الجمهورية الخامسة.
وحسب الشهادات المنقولة عن الجزائريين الذين تعرّضوا لمعاملة مسيئة قبل يومين بمطاري أورلي وشارل ديغول بباريس، فإن هذا الوزير الذي يجمع في قلبه كل الضغائن الممكنة ضد الجزائر، هو المسؤول الأول عن المسرحية السيئة.
وحتى عمّال المطارين المذكورين، لم يكونوا موافقين على تعليمات وصلتهم، تقضي بإغلاق شبابيك معالجة الجوازات في وجه الجزائريين والإبقاء على شباك واحد مخصّص لهم.
هذه الحادثة، تثبت أن الحكومة الفرنسية باتت تعاني من أزمة سمعة، بعد تسجيلها لسقطة أخرى في التعدي على القوانين والإتفاقيات الدولية، والمسؤول دائما هو وزير الداخلية الذي يغلب مشاعره الشخصية على مهامه التنفيذية، إرضاء لليمين المتطرّف وقناعة منه بتمجيد الاستعمار.
وبمحاولته السابقة ترحيل مواطن جزائري يتمتع بإقامة قانونية في فرنسا، قسرا، انتهك الوزير الحاقد أحكام الاتفاقية القنصلية الجزائرية الموقعة في 24 ماي 1974، “ عندما لم يقم بإبلاغ الجانب الجزائري بتوقيف هذا المواطن ولا اعتقاله ولا احتجازه ولا حتى قرار طرده”.
وفي خطوة استفزازية ضد مبدأ الفصل بين السلطات في فرنسا، حاول روتايو حرمان هذا المواطن من حقه في محاكمة عادلة، وواصل ممارسة مهامه التحريضية على الجزائريين عبر موقع “إيكس”، والقيام بالترويج لانتصارات وهمية كلما تعلق الأمر بالتحقيق مع جزائري ينشط على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا الأمر أزعج القضاء الفرنسي، ودفع بالنائب العام لدى محكمة باريس، إلى توبيخه علنا وعبر بيان رسمي، مؤكدا بذلك حالة الإنهيار القيمي والهيكلي للحكومة الفرنسية الحالية التي تعاني أزمة شرعية.
لقد داس وزير الداخلية الفرنسي، على كثير من التشريعات الوطنية لبلاده وعلى الاتفاقيات الدولية، ثم حاول الدوس على القانون الدولي والإنساني باستهدافه المواطنين الجزائريين الذين وصلوا إلى باريس بتأشيرة قانونية.
ومن خلال هذه الممارسة، لا يريد روتايو، أن يكون بطل اليمين الفرنسي المتطرّف فحسب، بل يريد أن يسقي بالكراهية بذور الإستعمار التي تسكنه، عبر العنصرية والتمييز والتضييق وتغليب المشاعر الشخصية.
لكن المؤكد أن هذا الوزير لن يكون أبدا بطلا في بلاده، وسينتهي به الأمر كواحد من السياسيين المتطرفين الذين أثاروا أكبر قدر من الفوضى داخل الحكومة الفرنسية بإساءة التعامل مع الغير والإستيلاء على صلاحيات زملائه الوزراء.
لن يكون روتايو، إلا عنصرا نشطا في زمرة سياسية تعتنق الكراهية والأفكار الإستعمارية القائمة على محاولة النيل من الآخرين، وعدم احتمال رؤية احتفاء الجزائريين بثورتهم وتمجيد شهدائهم ومجاهديهم، وقد عبّر عن ذلك علانية قبل أيام.
الجزائر وبكل رصانة وثبات، تواصل التعامل مع هيجان روتايو وأنصاره من اليمين المتطرف، وتحبط بالحجة والأرقام وهم الأوراق التي يهدّد باستخدامها، وقدمت كل ما يجعل الرأي العام الفرنسي مقتنعا بأن وزيره للداخلية يقرع براميل فارغة.
ورفضت الجزائر التغاضي عن محاولة الإساءة للجزائريين في المطارات الفرنسية، حيث استدعت وفي اليوم الموالي السّفير الفرنسي لديها وأبلغته احتجاجا شديدا، مؤكدة أن “الجالية الوطنية خط أحمر”.
كما فضح بيان الخارجية النوايا والخلفيات التي وقفت وراء ما حصل بمطاري أورلي وباريس، حيث عبّر عن “رفض الجزائر القاطع لأي مساس مهما كان نوعه أو شكله بكرامة مواطنيها أو استخدامهم كأداة للضغط أو الاستفزاز أو الابتزاز ضد بلدهم”.
لذلك اعتبرت “أن هذه التصرفات والممارسات غير المقبولة تهين سمعة الحكومة الفرنسية في المقام الأول وفي المقام الأخير”، ويتماشى رد فعل الجزائر الصارم مع التقاليد والأعراف التي تحكم العلاقات الدولية.