أثارت الزيارة الرسمية لوزيرة الثقافة الفرنسية، المسماة رشيدة داتي، إلى المدن الصحراوية المحتلّة إدانة واستنكارا شديدين، بحكم أنّها تمثل انتهاكاً صارخاً لقرارات الأمم المتحدة ومساساً بالشرعية الدولية.. “الشعب” اختارت أن تسلّط الضوء على تداعيات هذه الخطوة الفرنسية الاستفزازية، ومدى تأثيرها على الدبلوماسية الفرنسية، فكان هذا الحوار مع رئيس اللجنة الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي، سعيد العياشي..
الشعب: زيارة الوزيرة الفرنسية إلى المدن الصحراوية المحتلّة، اعتبرت تجاوزاً فاضحاً لقرارات الأمم المتحدة ومساسا بالشرعية الدولية خاصّة، ما هو التعليق المناسب على هذه الخطوة المدانة؟
سعيد العياشي: زيارة رشيدة داتي إلى المدن الصحراوية المحتلة باعتبارها وزيرة في الحكومة الفرنسية الحالية هي زيارة رسمية، وبالتالي، فهي تُلزم فرنسا وكلّ أعضاء الحكومة..هذه الوزيرة المحسوبة على اللوبي المناصر للنظام المغربي داخل الجهاز التنفيذي الفرنسي، معروفة كذلك بموقفها الداعم لأطروحة الحكم الذاتي للصحراء الغربية وبقاء الاحتلال المغربي في الإقليم، وهكذا، فإنّ تصريحات رشيدة داتي التي جاءت أثناء زيارتها إلى المناطق المحتلة للصحراء الغربية، تؤكّد ما تضمّنه القرار الفرنسي الصادر في جويلية 2024، والذي بموجبه ساندت فرنسا علانيةً وجهة النظر المغربية فيما يخصّ نزاع الصحراء الغربية. وهي تؤكّد بذلك، خرقا فاضحا للقانون الدولي، خاصّة وأنّ فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن الأممي، ولها مهمّة ومسؤولية الدفاع وحماية وترقية هذا القانون الدولي الذي يُسيّر العلاقات الدولية ويضمن الأمن والسلم في العالم.
يمكن اعتبار هذا الاستفزاز، مسمارا أخيرا يدقّ في نعش المصداقية الدبلوماسية لفرنسا؟
هذه الزيارة المغامَرة لرشيدة داتي وتصريحاتها المستفزّة، هي انحدار في المستوى السياسي لفرنسا على الصعيد الدولي، وتزيد من الغياب الفرنسي المؤكّد في إفريقيا وفي أوروبا. وليس غريباً أن نجد خبيرا في الاستعمار كفرنسا التي ارتكبت جرائم حرب بشعة، تساند تلميذا في الاستعمار الذي هو بدوره يقوم بخروقات دموية ضدّ الشعب الصحراوي الأبيّ، وليس عجيباً أن نرى هذا التوافق بين فرنسا والمغرب اللذان لهما نفس الأجندات والعقيدة المبنية على نهب الثروات والقمع الدموي ضدّ الشعوب، وهو أمر منطقي أن نجد هذا القدر الكبير من التوافق في الإجرام بين النظام الفرنسي وتلميذه المغربي.
في الحقيقة هذه الزيارة الرسمية لوزيرة فرنسية إلى الأراضي الصحراوية المحتلّة قد أسالت كثيرا من الحبر حول الأخلاقيات وحول خرق القانون الدولي والمساس بحقّ الشعوب، فكانت الزيارة بمثابة رهان على الأسوأ، وهي خطوة إضافية لما أقدمت عليه فرنسا من وراء قرارها الصادر في 30 جويلية الماضي، ولكن في الوقت نفسه، مثل هذه التصرفات جعلت فرنسا عنصراً مقصى تماماً بصفتها شريك في البحث عن حلّ عادل ودائم في الصحراء الغربية، وأصبحت فرنسا – من خلال هذا الموقف – منحازة وغير عادلة وذات موقف غير متوافق مع القانون الدولي، وتحوّلت إلى جزء من المشكل، وبالتالي ليس لها أيّ إمكانية للتشدّق بنصرة الحقّ والعدل في هذا الملف.
سارع نظام المخزن من خطواته في التطبيع مع الكيان الصهيوني، بل انغمس في مخطّطات دنيئة تخدم الكيان وفرنسا في المنطقة، ليتحوّل إلى كيان وظيفي للصهيونية في المنطقة، ماذا سيجني نظام المخزن من وراء هذه الهرولة؟
كلّنا نتذكّر الصفقة الإجرامية التي وقّع عليها نظام المخزن في ديسمبر 2020..كانت صفقة إجرامية بين نظام المخزن المغربي والكيان الصهيوني للتطبيع بين النظامين الاستبداديين..انطلقت الأمور بعد هذا التطبيع وانتقلت إلى إبرام عدّة اتفاقيات لاحقة بين المخزن والكيان الصهيوني، كاتفاقية الدفاع التي يهدف المغرب من ورائها إلى الحصول على التكنولوجيا الدفاعية من الكيان الصهيوني من أجل تعزيز وتطوير الجيش المغربي في مواجهة مقاتلي جبهة البوليساريو، وفي حقيقة الأمر، يواصل نظام المخزن دفع فاتورة باهظة وتقديم التنازلات تلو الأخرى لكسب ولو الجزء اليسير من هذه التكنولوجيا، في المقابل، استفاد الكيان الصهيوني من كثير من الامتيازات والصفقات على حساب الشعب المغربي، منها استرجاع كثير من الأراضي والأملاك ليهود من أصول مغربية وتسليمها لأحفادهم، إلى جانب الاستفادة من أراضي فلاحية شاسعة في المغرب، زيادة على تسليم شطر كبير من الشركات للصهاينة.
الشعب المغربي عارض هذا التطبيع، ونحن نشاهد، منذ أربع سنوات، مظاهرات حاشدة ضدّ التطبيع في المدن المغربية، فالشعب المغربي شعب مُسلم وعلى قناعة تامة بعدالة القضية الفلسطينية التي هي عقيدة راسخة في وجدانه، وهو شعبٌ يرى في القضية الفلسطينية قضية مقدّسة، وبالتالي، أصبح الشعب المغربي يرى أنّ الملك قد خانه وطعنه في الظهر بلجوئه إلى التطبيع مع كيان مغتصب لحقّ الشعب الفلسطيني.
أصبحنا نرى أنّ هناك طلاقا غير معلن بين العاهل المغربي وشعبه، وأنّ الشرخ الحاصل بينهما يزداد توسّعاً نتيجة خيانة الملك لشعبه، ناهيك عن مظاهر الغضب الشعبي الذي تشهده كبريات المدن المغربية تعبيراً عن رفضهم لتردّي الأوضاع الاقتصادية وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن المغربي.