اعتبر مختصون في العلاقات الدولية، أن اعتقاد فرنسا بقدرتها على إرضاخ الجزائر بالاستفزازات التي تقوم بها «وهم وضرب من خيال»، وأجمعوا على أن استراتيجية القبضة الحديدية التي يتبناها أعضاء في حكومة باريس سيكون مصيرها الفشل.
يعتقد د.حسام حمزة أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن استراتيجية التصعيد مع الجزائر التي يدعو إلى استخدمها وزير الداخلية الفرنسي، لم تؤت ثمارها ولم تؤثر على موقفها الحازم بخصوص الإجراءات التعسفية بحق أشخاص يطلب منهم مغادرة التراب الفرنسي.
أبرز الأستاذ حسام في تصريح لـ «الشعب»، أن القرارات التي تم اتخاذها في هذا الشأن، تعد انتهاكا واضحا لأحكام الاتفاقية القنصلية الجزائرية-الفرنسية المؤرخة في 25 ماي 1974 -مثلما سبق لوزارة الخارجية الجزائرية أن بينته في بيان لها في 11 جانفي المنصرم، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقية تنص على إلزام الجانب الفرنسي بإبلاغ الجانب الجزائري في حالات اعتقال مواطن جزائري ما أو احتجازه، وأن إبعاد هؤلاء إلى الجزائر لا يمكن أن يتم إلا بموافقتها، وهو ما لم تحترمه السلطات الفرنسية وما لم تطبقه.
كما يرى المتحدث، أن التمادي في الجري خلف هذا الوهم هو ما يضاعف حالة الهيستيريا لدى وزير الداخلية الفرنسي روتايو، كلما قوبلت طلباته بالرفض من قبل الجزائر، وكلما رأى منها إصرارا على مبدأ المعاملة بالمثل واستعدادها التام للعبة «يد الحديد» التي لا يكف عن التلويح بها في خطاباته، ظانّا بأنها يمكن أن تخيف الجزائر أو تدفعها نحو التراجع.
وفي تحليله، قال الدكتور حسام، إنه لفهم سبب هذه الفوبيا من الجزائر والجزائريين التي يستثيرها ويغذيها روتايو دون توقف، نابع من حساباته السياسية داخل حزب الجمهوريين الذي ينتمي إليه، ونواياه في ترؤس الحزب الذي سيُستدعى أعضاؤه، شهر ماي القادم، لانتخاب زعيمهم الجديد.
وهي من العوامل المفسرة لهذه الهستيريا التي أصابته، لأنه يعتقد أن الفوز بمنصب رئاسة حزب الجمهوريين، سيمهد له الطريق للترشح لرئاسة الجمهورية مستقبلا، وهذا يقتضي بالنسبة له استمالة واسترضاء ذوي التوجه اليميني المتطرف داخل الحزب -وحتى خارجه- الذي لا يمكن أن يتم إلا عبر التحامل على الجزائر والجالية الجزائرية في فرنسا وهو ما يقوم به.
من جانب آخر، يرى المحلل السياسي حسام حمزة، أن هناك خطابا فرنسيا مكملا للخطاب السابق ومتقاطعا معه يروج له أدعياء اليمين المتطرف على شاكلة إيريك زمور، الذي بدا متفقا مع مارين لوبان حين اعتبر بأن الاحتلال لم يدحر الجزائر بل بناها، وهذا الخطاب يكرس -حسب المتحدث- الاستمرار في سياسة الهروب نحو الأمام، والتعمية على الماضي الاستعماري المنحط لفرنسا كلما واجهته الجزائر بحقيقته البشعة.
وأضاف المتحدث في هذا السياق، أن كشف الحقائق التاريخية الدامغة التي تثبت شدة وحشية الاستعمار الفرنسي، عن استخدامه لأسلحة كيماوية محرمة دوليا إبان فترة تواجده في الجزائر والتي أبانها الوثائقي المسمى «الجزائر.. وحدات الأسلحة الخاصة»، أحدث صدمة لدى أطراف داخل فرنسا، ما أدى الى منع بثه على القنوات الفرنسية، والذي يعتبر سلوكا يتنافى كليا مع ادّعاءات حرية الإعلام والتعبير، التي تتشدق بها فرنسا ويكشف في الوقت نفسه مدى الخوف من الحقيقة التاريخية التي تبقى مصادرة ومزورة في فرنسا إلى أجل غير مسمى.
من جهته الخبير في القانون الدولي أبوالفضل بهلولي، فقد لفت إلى أن التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الجزائر، جاءت في سياق دولي، يتمثل في الشروع في مفاوضات إيفيان، التي على أساسها تم الوصول الى إطلاق النار ما بين الطرفين، وترك حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، وهذا كنتيجة لكفاح مسلح، وبالتالي يكون أمام اتفاقية دولية ملزمة للطرفين.
إلا أن فرنسا خلال هذه الفترة قامت بهذه التجارب النووية، على الرغم من إيقاف إطلاق النار، وهذا يشكل -حسب الخبير بهلولي- عدوانا وانتهاكا للالتزامات الدولية الملقاة على عاتق فرنسا من جهة، ومن جهة أخرى هناك وثائق تاريخية من شهادات والحقائق العلمية التي أثبتت أن الأمر كان مدبرا ومخططا له، حتى قبل القيام الفعلي بهذه التجارب، وهذا يشكل كذلك العنصر المادي في أحد الجرائم الدولية والمتمثل في القصد الجنائي، أي أن الطرف كان يريد الوصول الى إبادة جماعية وتخريب البيئة والمساس بالجانب الإيكولوجي.
وأوضح بهلولي في تصريح لـ «الشعب»، أن فرنسا من خلال هذه التجارب، ضربت عرض الحائط ميثاق الأمم المتحدة، الذي جاء بعد الحرب العالمية الثانية على إنقاذ الملايين من القتلى، وخرقت المبادئ الأساسية للقانون الدولي الذي اجتمع عليها المجتمع الدولي المتمثل في بناء علاقات دولية يسودها السلم.
من ناحية القانون الدولي، في جانبه النظري، قال المتحدث إن التجارب النووية الفرنسية في الجزائري تعتبر جرائم دولية، لأنها خلفت إبادة جماعية. غير زن الإشكال القائم يتمثل في جمع الأدلة وتوثيق هذه الجرائم وجمع الشهادات وذلك من أجل إثبات الركن المادي لهذه الجريمة. ولفت إلى ان هناك عراقيل على مستوى المحاكم الدولية التي هي مقيدة بالولاية والاختصاص الشخصي والزمني والاختصاص الإقليمي.
وأضاف في هذا الصدد، أن فرنسا لاتزال تواصل جريمتها من خلال عدم إبداء حسن نيتها فيما يتعلق بالكشف عن الخرائط والمواقع التي كانت مسرحا لهذه التفجيرات، وكذا الجثث والمقابر الجماعية، مذكر بأن هناك مجهود أممي ودولي للضغط على فرنسا في هذه القضية، لكنها تدير ظهرها ولا تبالي بالقوانين والمواثيق الدولية.