لو تتكرّم مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة وتعطينا أرقاما وإحصائيات عن «نوعية» المواضيع التي يتابعها الناس في المشرق والمغرب، لذهل «يوتيوب» ممّا ينشر في «فايسبوك»، ولاحتار هذا الأخير مما يدفع به «أنستغرام» من مراهقاتية في اتجاه المستقبل، الذي يبدو أنه لن يعرف تقاسيم اجتماعية وقيمية ممّا درج الناس عليه البارحة واليوم..
الساعات الطوال التي يقضيها من ينقرون الوسائط الاجتماعية في الهواتف الذكية بحثا عن «تسلية» و»قتل وقت»، تتفوّق بكثير من الأسف، على ما سواهم من الباحثين عن الابتكار والجديد المعلوماتي وتطوير الذات والتنمية البشرية، وفي هذا فارق آخر ينتقل من الماضي الذي كانت فيه الأمية موصولة بحل الأحرف الهجائية، إلى الحاضر بأمية أخرى تصنعها التكنولوجيا.
هي أمية أقسى من سابقتها، ذلك أنها لا تترك مجالا للفهم، بل تدفع نحو إيجاد قطعان بشرية مستهلكة، قليلا ما تفكر أو تشجع على ذلك أو هي في حكم الـ80 بالمئة الفقيرة-المستهلكة والـ20 بالمئة الغنية المفكرة في إبقاء الحال على حاله بمراكز دراسات تموّلها أو بنفوذ اكتسبته في جميع الأوقات.. فتزرع ما يوازي قرونا وسطى ظلماء، مرة أخرى، في عصر ما بعد الأنوار، الذي دشنته الثورة الصناعية.
هي ثورة لو قُدر لمن حرّكها رؤية الحاضر لتحسّر على الغيتوهات المنتشرة في الجهات الأربع من العالم، وداخل المجتمع الذي انطلقت منه هذه الثورة، بسبب تغيّر الواجهات، لا من يصنع القرار، كعامل من عوامل الحسم في أي تغيير يطرأ على الساحة..
الثورات التكنولوجية المتتابعة، نقلت الإنسان من وضع من لا يعرف غير محيطه، إلى الاطلاع على ما في العالم بضغطة زر واحدة، ولو أنّ هذا «الإطلاع» يبقى رهين ما يريده المتحكمون في صناعة الرأي العام، ومع ذلك كثرة المعلومات والقنبلة الإعلامية المتواصلة لا تصنع الفهم، وبالكاد تسمح للمتابع الجيّد بالتأكد من الخبر الصحيح، بمقارنة ذهنية كبيرة، بعد البث، وليس أثناءه، وبمقارنات أخرى مرهقة..
في نهاية المطاف، يكتشف الباحث عن حقيقة ما وقع، أن التكنولوجيا أكبر موجه للحواس الخمس، وأكبر مروّج ومشجّع لأمية القرن الواحد والعشرين..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.