البيروقراطية لا تقل خطرا عن الفساد المالي والاقتصادي، بل غالبا ما تشكل ممارساتها السلبية مصدر إزعاج وتغذي مناخ الاستياء في أوساط المواطنين ليتحولوا إلى لقمة سائغة تتلاعب بهم أطراف لا يغمض لها جفن، مستثمرة فيها من أجل تحقيق مشاريعها الهدامة بضرب الاستقرار.
إحدى الإدارات التي تشكل نقطة سوداء في المنظومة الإدارية بكل ما يتمخض عن ممارسات، كثير منها يصعب تبريره، تثير تساؤلات من غضب واستياء ونفور المواطنين أصحاب المصلحة، مرفق الدفتر العقاري، حيث تسجل حالات طوارئ يوميا قلما يخرج منها المواطن راضيا، وسط مشهد لا يعكس مدى الطموحات التي لا تتوقف الجهات الوصية وفروعها عن التصريح بها بوعود ما أنزل بها الله من سلطان، سرعان ما تتبخر وسط سلطة بيروقراطية قاتلة للأمل.
التزم أحد المسؤولين المعنيين مؤخرا بأن يتم في شهر، تغيير الواقع المرير وتخليص المرتفقين من كابوس الانتظار والمواعيد التي لا تنتهي، ليصبح الحصول على الدفتر العقاري مسألة عادية، طالما الملفات تستوفي الشروط القانونية، وهو تحدّ تحت متابعة الرأي العام وحينها يتبين الصدق من الوهم.
ضمن قانون المالية لهذه السنة، أدرجت أحكام تدمج مصالح الحفظ العقاري بنظيرتها لمسح الأراضي لتشكل شباكا موحدا من شأنه أن يزيل هاجس الوصول إلى خدمة هي من حقوق المواطن ويكسر شوكة بيروقراطية لم تعد تحتمل، في وقت سجلت فيه مرافق أخرى مكاسب نوعية في تقديم الخدمة العمومية بفضل إدخال الرقمنة، لقاح فساد الإدارة.
المعركة لن تكون سهلة، فهناك بالتأكيد مقاومة لكل تغيير يقضي على مصالح غير شريفة. لكن الأمل في موظفين أكفاء ضحايا تهميش أو عزلة، يمكنهم الانخراط في عملية تغيير الصورة النمطية البائسة لمثل هذه الإدارات وإضفاء لمسة جديدة على الخدمات، بما يعيد الثقة للمواطن ويسهم في إعادة ترتيب المطالب الاجتماعية في المجتمع فتبين من خلال العدل والشفافية توجهات كل احتجاج أو تعبير عن غضب.