أكّد مبروك كاهي الخبير الأمني والأستاذ بجامعة ورقلة في حديث مع «الشعب ويكاند»، أن الجزائر هي الضامن الفعلي والرئيسي لاتفاق السلام بين أطراف الأزمة المالية، حيث إن كل الأطراف تضع ثقتها في الجزائر، بل أنها وترعاه وتتحمّل أعباء هذا الاتفاق.
واعتبر الأستاذ المتخصص في الشأن الأزوادي، أن الدبلوماسية الجزائرية، هي دبلوماسية ميدان وتتسم بالواقعية وليس بالبيانات الصادرة من المقرات الرسمية، في وقت شدّد صاحب دراسة مشروع الدولة الأزوادية بشمال مالي وأبعادها الأمنية على المنطقة المغاربية، أن اجتماع 5+1 أو تحالف برخان بزعامة فرنسا، هو اجتماع لإعلان الفشل للحل العسكري الفرنسي.
«الشعب»: تعاني مالي من اضطرابات سياسية وأمنية متراكمة منذ نحو 10 سنوات، جعلتها جبهة مفتوحة على كل الاحتمالات. ألهذا السبب فقط توليها الجزائر أهمية قصوى في إستراتيجيتها الدبلوماسية والأمنية على اعتبار أنها جزء مهم في عمقها الاستراتيجي، أم أن هناك أسباب أخرى؟
مبروك كاهي: اهتمام الجزائر بالأزمة المالية يتعدى حدود الجغرافيا، على اعتبار أن هذه الدولة التي تربطنا بها حدود مشتركة، بل يضرب في عمق التاريخ، دولة مالي كانت قاعدة إمداد خلفية للثورة الجزائرية، كان يتم عبرها جلب السلاح للمجاهدين سواء في الصحراء أو الجبال في الشمال، دولة مالي ساعدت الثورة الجزائرية، بل كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالجمهورية الجزائرية المستقلة وسبقت حتى عدة دول عربية في هذا الاعتراف، أيضا دولة مالي وفي عز الأزمة الأمنية التي عرفتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي أمّنت الحدود الجنوبية رغم محدودية إمكانياتها في الوقت الذي تفرّغ الجيش الجزائري لمكافحة آفة الإرهاب واسترجاع الأمن والسكينة، فاهتمام الجزائر بدولة مالي الشقيقة من دافع الواجب ورد الجميل .. دولة مالي هي دولة صديقة وشقيقة وجارة قبل أن تكون مجال حيوي وعمق استراتيجي للدولة الجزائرية.
– ساهمت الجزائر مجددا في الدفع بمسار الحل في مالي انطلاقا من اتفاقية الجزائر 2015، ما هي مؤشرات المشهد؟
دور الجزائر الفعلي هو الضامن الرئيسي لاتفاق السلام بين أطراف الأزمة المالية في الجزائر سنة 2015، وكل الأطراف تضع ثقتها في الجزائر، بل وترعاه وتتحمّل أعباء هذا الاتفاق، انسحاب الجزائر يعني العودة إلى المربع الأول، ولعلّ خير دليل أن أطراف الأزمة اجتمعت للمرة الثانية بحضور الجزائر وبوزنها الفاعل ممثلة في وزير الخارجية الذي حوله لاجتماع، لكن لا بد أن تجدر الإشارة أن اهتمام الجزائر بدولة مالي يعود الى ستينيات القرن الماضي مع أول أزمة مع الطوارق، أيضا إلى تسعينيات القرن الماضي أيضا، وهذا إشارة واضحة على أن الدولة الجزائرية على دراية كافية وتامة بحيثيات الأزمة المالية وحيثياتها الدقيقة، مما يؤهلها ودون غيرها للعب هذا الدور وحل الأزمة وجمع الفرقاء الماليين.
– ترأس وزير الخارجية صبري بوقدوم، أول اجتماع للجنة متابعة اتفاق السلام بمالي، في إطار زيارة تعتبر الثالثة له، كيف ترى الجهود الجزائرية في المنطقة؟ ولماذا تعثر اتفاق السلام في مالي سابقا؟
أداء الدبلوماسية الجزائرية يمكن وصفه بالمقبول في ظلّ تعدّد التحديات ومن كافة الجوانب والحدود الملتهبة، في ليبيا، الصحراء الغربية وقضايا القارة والالتزامات العربية والدولية، ودور الدبلوماسية الجزائرية كان دبلوماسية ميدان وتتسّم بالواقعية وليس البيانات الصادرة من المقرات الرسمية أي بعيدا عن أرض الواقع، ويتجلى من خلال الزيارات المتعدّدة لوزير الخارجية الجزائرية، والتي تعتبر في حدّ ذاتها مساعدة لهذا البلد الشقيق الذي يعيش مرحلة انتقالية هامة في تاريخه، فزيارات السيد بوقدوم كسرت العزلة السياسية وجعل المجتمع الدولي يهتم ويسمع لصوت هذا البلد الإفريقي بمساعدة الجزائر، ولا يمكن القول إن اتفاق الجزائر تعثر، وإنما توقف مساره، لسببين رئيسيين، الحل العسكري المعتمد من قبل القوة الاستعمارية السابقة لمالي ممثلة في فرنسا وتحالفها الإفريقي، والسبب الثاني مشروع العهدة الخامسة الرئاسية بالجزائر .. فالجزائر الضامن الرئيسي لاتفاق السلام فغياب الجزائر معناه غياب الثقة بين الفرقاء، لكن أمام فشل الحل العسكري واستعادة النظام الجزائري زمام الأمور وتحكمه في بيته الداخلي عاد اتفاق السلام من جديد وفق خارطة الطريق الموقّعة وبرعاية جزائرية للخروج بدولة مالي من الأزمة السياسية للبلاد.
– هل تعتبر أن الحضور الفعّال للدبلوماسية الجزائرية بمالي سيقطع خيط التدخلات الأجنبية في المنطقة؟
دولة مالي هي جد إستراتيجية ومحورية فهي تتوسّط دول الساحل، تربط بين غرب القارة وشمالها، من هذا المنطلق فإن أبعاد التدخلات الأجنبية تكاد تكون مستحيلة لتضارب المصالح، لكن دور الدبلوماسية الجزائرية تضع المصالح العليا لدولة مالي ضمن أولى اهتماماتها أولها وحدته الترابية وسلامة أراضيه، ديمومة مؤسساته الدستورية، وتحقيق التنمية الحقيقية والتخفيف من الهيمنة الامبريالية، أما عن تخلي الجزائر عن دورها وما يمكن أن يحدث لهذا البلد؟ علينا معالجة الأمور بواقعية من حيث البدائل القانونية فيوجد الاتحاد الإفريقي الذي دولة مالي عضو مؤسس فيه، وأيضا منظمة الأمم المتحدة باعتبارها المسؤول الأول عن الأمن والسلم الدوليين.. هاتين المنظمتين بإمكانهما أن يحلا محل الجزائر، لكن الأخيرة لها الفعالية والقدرة على فهم الأزمة المالية والوصول إلى توافق حقيقي بين أطراف الأزمة..
– عقدت خمس دول من الساحل وفرنسا ـ 15 فيفري ـ قمة للبحث في مكافحة الحركات الإرهابية في المنطقة، حيث تريد باريس من حلفائها تولي الشقّ السياسي، فضلا عن العسكري لخفض انخراطها المتواصل منذ ثماني سنوات، كيف ترون هذه الخطوة من باريس؟
اجتماع 5+1 أو تحالف برخان بزعامة فرنسا، هو اجتماع لإعلان الفشل للحل العسكري الفرنسي، الأخير يمثل الجانب المؤلم لدولة مالي على اعتباره قوة استعمارية سابقة لم يحظَ بقبول الساكنة وهنا يطرح مشكل التعاون، أيضا هذا التحالف تلقى ضربات موجعة من قبل الجماعات الإرهابية وفقد العديد من عناصره ومعداته وانعدام التمويل المالي والقشّة التي عجّلت بفشله صفقة تبادل الرهائن والإفراج عن عشرات الإرهابيين الموقوفين في السجون المالية واستفادتهم من فدية مالية مقابل إطلاق الرهائن في خرق واضح للقانون الدولي الذي يجرّم دفع الفدية، والجزائر موقفها واضح من الأزمة المالية وهو الحوار والتأكيد على التنمية المحلية ومقاربتها غير مرتبطة بالمقاربة الفرنسية.
– حمّل انعقاد دورة لجنة متابعة اتفاق السلم والمصالحة الوطنية، في بلدة كيدال، افاقا على قدرة اتفاق السلام الموقع في الجزائر 15، على حل أزمة البلاد. ما مدى فعالية ذلك؟
انعقاد الدورة في مدينة كيدال الواقعة شمال مالي في إقليم أزواد هو تأكيد على الوحدة الترابية لدولة مالي الشقيق، أيضا تأكيد على رغبة أطراف الأزمة في إيجاد حل نهائي للخروج من هذا الصراع الدائر، والملاحظ أيضا أن الدورة انعقدت بحضور السفير الفرنسي والسفير الأمريكي، في إشارة واضحة لتأكيد دعم جهود الجزائر من هاتين الدولتين العضوين الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وهو مؤشر على قرب انتهاء الأزمة وإشارة بدأ حقيقية لمباشرة إنهاء المرحلة الانتقالية والعمل بجد للتحضير للاستحقاقات الدستورية القادمة.
– ألا تعتقد أن هناك توجّس من إعادة سيناريو حادثة اختطاف الدبلوماسيين من قبل الجماعات الإرهابية بمالي خلال العشرية الماضية؟
اختطاف الدبلوماسيين الجزائريين في شمال مالي، أود الإشارة إلى أن الجزائر تملك الخبرة الكافية للتعامل مع هذه التهديدات، والسؤال المطروح حول الجهة الحقيقية وراء اختطاف الدبلوماسيين والهدف خلف كل هذا؟ بالرغم من أن القوات الجزائرية لم تعبر الحدود الوطنية وتشارك في الأعمال القتالية في شمال مالي، إلا أن الجماعات الإرهابية عبرت الحدود ونفذت الهجوم على منشأة تيغنتورين النفطية، الجهة التي كانت وراء اختطاف الدبلوماسيين وتصفيتهم بدم بارد، هي نفسها في حادثة تيغنتورين، الجماعات الإرهابية هي جماعات وظيفية تنفذ أجندات أجنبية والسلطات الجزائرية على دراية تامة وهو ما جنّبها الوقوع في الفخ، والعمل بأكثر حنكة أمام هذه المؤامرات الدنيئة والخسيسة التي تهدف بالمساس بأمن المنطقة واستكمال طوق النار الذي يمتد من الخليج ومحاولة ايصاله إلى المحيط.
– ما هي الحلول المناسبة برأيكم لتجاوز عقبة تدهور الأمن بالمنطقة؟
ٌ الوضع في الساحل يبقى هشّا، وهذه الهشاشة ناجمة من هشاشة الدول وضعف مؤسساتها التي تعاني الفقر والتهميش وانعدام التنمية وقلة فرص العيش، حيث أصبحت بيئة خصبة حاضنة للجماعات الإرهابية عبر نشاط الجريمة المنظمة، هجرة سرية، اتجار بالبشر مخدرات، تجارة السلاح.. أما الحلول التي تقدمها الجزائر فهي حلول تنموية بالأساس لابد من مساعدة مالي على تحقيق التنمية وتحسين فرص العيش فيه، وذلك بتحمل المجتمع الدولي لواجباته وللقوة الاستعمارية السابقة مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية اتجاه هذا البلد الجار والشقيق.
– ما مستقبل اتفاق السلام في مالي في ظلّ الظروف الراهنة؟
الجزائر دولة محورية بحكم الجغرافيا الممتدة على كامل شمال القارة، وبحكم التاريخ النضالي الثوري المشترك اتجاه الظاهرة الاستعمارية القديمة والامبريالية الاحتكارية الحديثة، وبثقلها الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي، وبتزعمها مبادرة «النيباد» لتنمية إفريقيا والتي محورها الثلاثي الأقوى في القارة جنوب افريقيا، نيجيريا، الجزائر، كلها مؤشرات تجعل الجزائر تتصدر الريادة ويعطيها الزخم الدبلوماسي يؤهلها لممارسة الريادة لحل القضايا الإقليمية. أما عن مستقبل السلام في المالي، فكل المؤشرات تدل أن الأزمة في طريق الانفراج بعد ان استنفذت كل مناوراتها، واحتفاظ مالي بوحدة أراضيه وزوال إدارة ترامب التي كانت تحمي محور التخريب.. عودة الثقة للأطراف المالية بوجود الجزائر الراعي والضامن الأساسي لاتفاق السلام.