عند إقرار التقسيم الإداري الجديد ورفع عدد الولايات إلى 58، علّق البعض ساخرا، إن الأمر بمثابة عبء إضافي للفنان رابح درياسة الذي «خلّد» كل ولايات البلاد في أغانيه المختلفة.
بعيدا عن هزل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، فإن التقسيم الإداري يعيد إلى الأذهان ما حدث عام 1984 عندما أقدمت السلطات على رفع عدد الولايات من 31 إلى 48 ولاية كاملة، واستبشر الناس خيرا حينها، لكن مع مرور ما يقارب الأربعين سنة، ما تزال بعض الولايات «الجديدة» تابعة بشكل أو بآخر إلى «الولاية الأم».
من الناحية العملية، فإن تيسمسيلت ما تزال تابعة لولاية تيارت وميلة لم تنفصل بشكل نهائي عن جيجل والطارف لم تتحوّل إلى مدينة وبقيت تشبه القرية وكأنها تابعة لمدينة القالة وليس العكس، وكل ذلك حدث وفق عمليات غير مدروسة، وما تزال الاتهامات موجهة لمسؤولي ذلك الوقت الذين فضّلوا مدنهم على مدن أخرى كانت تستحق أن تكون عاصمة لولاية.
لكن يبدو أن التقسيم الجديد، يتجاوز الحسابات السياسية والشخصية إلى البعد الجيو استراتيجي الذي بدأ من استحداث مجلس الأمة المقتبس من التجربة الأمريكية التي نجحت في تجاوز الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الشمال الغني والجنوب الفقير، فجاء «مجلس الشيوخ» الذي يتساوى فيه عدد أعضاء كل الولايات مهما كان عدد سكّانها، على عكس مجلس النوّاب الذي يعتمد تناسب عدد المنتخبين مع عدد السكان.
ما يجمع هذه الولايات الجديدة، أنها صحراوية ونائية وفقيرة، من حيث عدد السكان والوسائل الاقتصادية. ومن هنا، فإن الفرصة كبيرة لإعادة التوازن المفقود بين الشمال الغني والمزدحم بالسكان والجنوب الفقير والذي يشكو فراغا سكنيا إلا في بعض التجمعات.
ليس المطلوب من الخطوة الجديدة إضافة أجهزة بيروقراطية جديدة، تستنزف الخزينة العمومية وتزيد الجنوب تخلفا، وإنما إدارة جديدة بمنظور جديد باعتماد لغة العصر وأسلوبه، بإمكانية أقلّ وفعالية أكبر.