قبل نحو أربع سنوات، صنع الآلاف من طلبة الطب الحدث، عندما وقفوا في طوابير طويلة أمام المركز الثقافي الفرنسي من أجل إثبات المستوى اللغوي، ليس حبّا في «لغة فولتير» وإنما رغبة في «تقوية» ملف الحصول على فيزا شنغن التي تفتح أبواب «الجنة الأوروبية»، وهربا من «جحيم» الصحة العمومية في البلاد، الذي تحوّل إلى مأساة حقيقية، حيث تصرف الدولة الملايير من الدينارات سنويا في سبيل تكوين الأطباء وتجهيز المؤسسات ويضطر الكثير من المحظوظين للانتقال إلى الخارج عند أول وعكة صحية.
المؤكد أن كثيرا من أولئك الطلبة نجحوا في مسعاهم بالحصول على «فيزا سحرية»، وبعضهم تفوق بشكل باهر وأصبح يصنع نجاحات أكبر المؤسسات الاستشفائية في الخارج. ومن المؤكد أيضا، أن وضع المؤسسات الصحية يزداد سوءاً، رغم جهود كثير من جنود «الجيش الأبيض» الذين دفعوا حياتهم ثمنا لمواجهة الجائحة.
وما زاد من تعقيد المشكلة، ضيق المؤسسات الصحية التي بني بعضها قبل سنين طويلة ولم تعد تستجيب للأعداد الكبيرة من المرضى الوافدين وهي التي بنيت لعصر غير هذا العصر، حيث يتكدّس الوافدون على أقسام الاستعجالات في الأروقة وبعضهم يموت هناك قبل أن يستقبله الطبيب.
أمام المطالب الكثيرة ببناء مؤسسات صحية ضخمة وتوفير الإمكانيات اللازمة لاستقبال المرضى، يقترح وزير الصحة الاستعانة بكفاءات طبية من الخارج لمواجهة سد نقائص المنظومة الطبية الحالية.
لا ندري كم سيكلّف الأجانبُ الخزينةَ العمومية من العملة الصعبة، لأن الطبيب الأجنبي لا يمكن أن يقبل بأجر هزيل، الذي يتقاضاه الطبيب الجزائري في بلده والذي اضطره للهجرة بحثا عن حياة كريمة.
وإذا تمكّن الوزير من تطبيق فكرته على أرض الواقع واستطاع «استيراد» أطباء من الخارج، فمن المؤكد أنه من بين الوافدين كثير من الأطباء الجزائريين، لأن العشرات منهم أثبتوا جدارتهم بأنهم الأكفأ في تسيير كبرى المؤسسات الطبية في العالم.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.