غرقت الخرطوم في فيضانات نهر النيل، وغاصت معها أحلام السودانيين العالقين بوعود الغرب، غطّ البلد ولم يجد حيلة للخلاص من الوحل وسريان الأودية، فاجتمع البشر والحجر والحيوان في مجاري تسابق أقدارها، هاربة من تخلف يشبه حالة البلد المنغمس في صراعاته الإثنية، وحروب الوكالة عن بعد، ووصل السودان إلى ضفتين الشمال والجنوب.
صور فضيعة لأكثر من مائة غريق وما يفوق ألف جريح ومئات الآلاف من البيوت المدمّرة، لوحة مأساوية نقلتها شاشات التلفزيون وصرخات لا تزال متمسّكة في حقها بالتضامن الحقيقي، تضامن دون بهارات سياسوية ولا مصلحية، تضامن يضمن الحد الأدنى من العيش والحق في الحياة.
الآلاف من العائلات السودانية لا تزال دون شراب ولا طعام ولا ماء، مئات البشر نجوا من وباء كورونا، إلا أنّ فرحتهم لم تكتمل بعد، وفار التنور وأطلقت الفيضانات جريانها، لم تمنحهم رخصة الحياة والعيش تحت ظلال الفقر كما في سابق العهد، فأصبحوا ببيوتهم جاثمين.
العالم الآخر من الصفة الأخرى، كأنه لم يسمع، لم ير، لم يلحظ، ما يحدث للسودانيين وهم يفترشون الأودية وأغطيتهم السماء، إنّها الامبريالية في أبشع صورها، وهي تفرض سلطتها ومنطقها في التمييز بين البشر دون وجل ولا حياء سياسي، يحفظ كرامة الإنسان، فشعر السودانيون بقسوة الحياة مرة أخرى، وظلم القوانين وسياسة النهب والتجويع، وهم ينامون تحت ثروات لا قبل لهم بها، وتستغل من دعاة الحضارة وحماة حقوق الانسان .
فاض النيل النجاشي، وغرق السودان في وحل مأساة إنسانية، لم يكلف كبار العالم مثل ماكرون، أو ترامب، أنفسهم بالتضامن بتغريدة ولو افتراضية، كما فعلوا مع دموع بيروت الغالية والجديرة بالاحتضان والمواساة في خطبها الجلل، أما السودان فتلك قسمة ضيزى على باريس وأمريكا ومن حذا حذوهم، فنهب ثروات البلد ووضعه على شفا حفرة من نار القبلية ديدن الضالعين، صحيح، البلد الحزين مرفوع من الخريطة، فإيّاك..إيّاك أن تبتل بالماء أيّها السودان مرة أخرى.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.