تغيّرت ملامح العالم أكثر فأكثر، بفعل مستجدّات جيو تكتيكية وبروز أحدث الأجيال التكنولوجية الحديثة والجد متطوّرة، ولم تعد العولمة بمفهومها التقليدي وحدها من تغير في حياة البشر، بعد بروز الحروب البيولوجية والمعارك التكنولوجية الدقيقة التي تستعمل فيها الفيروسات المستعصية، وتأتي أشد وقعا من العيارات النارية والقنابل الذرية على البشر وكذا الاقتصاد والحياة، حيث تختزل المسافات وتقلص زمن المواجهة ومدة الوصول إلى الهدف.
بات من الواضح أنّ الحروب التقليدية التي تعّود العالم على اشتعال بؤرها في العديد من الدول، وأحيانا يطلق عليها بحرب «الوكالات» ولّى عهدها، وربما بدأنا نقترب من حقبة تراجع الجيوش وانسحابها إلى ثكناتها، ليحل محلّها الحروب الحديثة الأقل تكلفة والأكثر ذكاء وفتكا من حيث تحقيقها للهدف، ونجد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية القوة العسكرية الأولى في العالم في الوقت الراهن، بدأت تسحب جيوشها وتقلّص من تعداد قواعدها العسكرية في كل من أفغانستان والعراق..فهل تلوح في الأفق بوادر لمستجدّات قد تقلب الموازين؟ خاصة أن المتفوّق تكنولوجيا والأسرع في تطوير ثروة الذكاء البشري سيربح الحروب قبل أن يخوضها، وبالتالي سيسيطر على العالم بقبضة من حديد.
صحيح أنّ الجائحة جاءت بمثابة الكارثة الكبرى على العالم، وما زاد من ضراوتها قدرة فيروس كورونا على التحور والتجدد في نسخ أكثر خطورة وفتكا بحياة البشرية، وعانت المخابر طيلة سنة كاملة في تذليل سمومها القاتلة، هذا ما يجعل من التصورات تتوقع الاقتراب في المستقبل القريب من حروب قد تكون أشد ضراوة وأخطر على مستقبل وحياة البشر.
الدول النّامية كالعادة، بنيتها هشّة ومصيرها مازال بين أيادي الأقوياء، وإذا لم تتحرّك بسرعة لتطوّر قدراتها وتتجاوز خلافاتها الداخلية، وتتحرّك نحو تأمين غذائها وحماية استقرارها وبناء الإنسان قبل كل شيء، ستكون لا محال «كبش فداء»، في خضم التجارب الاختبارية التي انطلقت مبكّرا لمباشرة حروب جديدة لعينة سيقبل عليها العالم، وستكون بديلة عن التقليدية، ويدفع كلفتها كالعادة الضّعفاء والفقراء وحدهم.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.