بدأت المقاربة العسكرية المشتركة في دولة مالي والساحل الإفريقي تنهار وتتآكل كليا بعد أن كان ذلك تدريجيا، وهي نتيجة كانت معروفة مسبقا بالنظر إلى فشل هذه المقاربة التي لم تدعّمها سوى دول ذات ماض استعماري شنيع تأتي في مقدّمتها فرنسا التي تقود حربا بالوكالة ضد ما تسميه الجماعات الإرهابية، وغيرها من الذرائع لاستمرار التواجد العسكري، الذي حوّل بفعل ممارسات جائرة المنطقة إلى بؤرة توتر تهدّد كيانات الدول القريبة والبعيدة، في ظل تنامي الظاهرة الإرهابية وتحوّلها إلى شبكة دولية تتضامن فيما بينها ضد ما تسميه الاستعمار الجديد في دول الساحل الإفريقي، وغيره من مناطق النزاع حول العالم.
لاشك أنّ الدافع الحقيقي وراء التعلق بذريعة محاربة الإرهاب في مالي والساحل بات أمرا مكشوفا يؤكّد خبث نوايا الدول الراعية للقوة العسكرية الأجنبية، ولم تعد هذه الدّعاية القديمة ذات مفعول لتنويم عقول الشعوب أمام واقع أليم تخبرنا به نعوش الجنود القتلى الذين يعودون إلى أوطانهم مسجّين بالأعلام الوطنية وكأنهم أبطال في نظر جلاديهم، غير أنّ العقل الجماعي في دول مثل فرنسا لم يعد يؤمن بهذا السيناريو المكشوف، ولم تعد تهمّه تلك الثروات الطّبيعية المسروقة من دول فقيرة أسهمت أنظمتها هي الأخرى بقصد أو دونه في نهب ثروات الشعب، وبالتالي لم تجد الدول الراعية للتواجد العسكري حتى وإن كان بعضها يحتمي تحت مظلة قوات حفظ السّلام التابعة للأمم المتحدة ما تقنع به الرأي العام الوطني والدولي بأنّ هناك خطر يواجه كيانهم في حال انسحاب قواتهم من الساحل الأفريقي.
وما يزيد قناعة بأنّ المقاربة العسكرية التي كانت الجزائر أولى الرّافضين لها قد فشلت في مالي، هو تحرّك الصّحافة الفرنسية هذه الأيام ضد سياسات الرئيس ماكرون في دعم القوات المشتركة، وتوريط دول أوروبية أخرى في مستنقع الساحل الإفريقي، دون إيجاد مبررات مقنعة لتبنّي سياسات فاشلة، ترى فيها الدول المشاركة فرصة لاختبار جنودها وإرضاء القوى الكبرى ذات النفوذ القوي لا غير، إلاّ أنّ استمرار هذه النزعة الاستعمارية في المنطقة يؤكّد تخبّط فرنسا وفقدانها بوصلة الاتجاه الصحيح وفق مفهوم نظرية انهيار الدولة التي بدأت تلوح في الأفق ضمن نظام عالمي جديد!
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.