بالرغم من «تكالب» العالم الافتراضي على كل ما هو واقعي، تبقى الكثير من عاداتنا وتقاليدنا الأبرز في الشهر الفضيل تقاوم بشدة الاندثار والاستكانة إلى صيغة الماضي لتكون جليسة الفعل الناقص «كان».
فاليوم يحاول الفضاء الأزرق «استدراج» الممتنعين عنه إلى سحر لونه لدخول متاهته المرعبة، خاصة وأن كل من خاض تجربة ولوجها أكد صعوبة الخروج منها، فهي تكاد تكون بلا مخرج أو منفذ إلى العالم الحقيقي.
حالة الإدمان التي يعانيها كثيرون من رواد هذا الفضاء جعلتهم يُسَجَلون «غائبون» على «دفتر الحضور» في مختلف تفاصيل حياتهم، فلا هم «يسمعون» ولا يدركون ولا ملمون ولا معنيون بكل ما يحيط بهم من أحداث، حتى وصل البعض منهم درجة الانسلاخ من عالمهم الواقعي، لينغمسوا في عالم افتراضي اختلطت فيه الحقيقة بالخيال.
ولن نستثني من ذلك «الدين»، فالفاسبوك يتقن صناعه «التجارة الدينية» لأنها مدرة للمال فتجده يستغل المواسم الدينية لتحقيق هامش ربح مهم، حيث يخصّص منشورات وصور وصفحات خاصة بالشهر الكريم مثلا لتكون «الطعم» الذي يسلب الواحد منا «إرادته» و»عزمه» على استغلال فرصة ذهبية للرجوع إلى طريق الهداية والتوبة.
يدرك المدقّق في مختلف الصفحات والمنشورات «الفاسبوكية»، أنه أمام تديّن من نوع خاص «اختار» اللون الأزرق ليكون وشاحه، فيكون الذكر والتعبّد والتسبيح والنصيحة وكل تعاليم الدين الإسلامي عنوانا «مبهرجا» لصفحات أفقدت «مدمنوه» المعنى الحقيقي للدين حتى «تحوّر» مفهوم التدين عندهم إلى مجرد تعليقات تكتب وصور تنشر، وأصبحت هبتهم لنصرة القضايا المفصلية «مؤطرة» فاسبوكيا بهاشتاغ «لا»، أما واقعيا تجدهم غير مبالين ولا يشعرون أصلا أنهم معنيون بأي «قضية» مهما كان نوعها لأنها وبكل بساطة خارج حدود عالمهم الافتراضي.
في بعض الأحيان أفكر في ضرورة إيجاد صيغة للصيام «الأزرق» يمتنع فيه الصائم عن فضاء يحاول جاهدا ضرب أساسات المجتمع كصلة الرحم والتكافل الاجتماعي، لأنه حوّلها إلى مجرد حضور افتراضي على صفحات وجدت لـ»التشهير» بالفقراء والمعوزين والتباهي بـ»إنسانية» هي علامة «فايسبوكية» مسجّلة.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.