تعثر المسار الانتقالي، في دولة مالي، عقب إقدام عسكريين على تجريد رئيس الدولة بالنيابة باه نداو، ووزيره الأول، مختار وان، من صلاحياتهما، ووضعهما رهن الاعتقال. في وقت جدّدت الجزائر تأكيدها على مرافقة هذه الجارة الجنوبية لاستعادة الشرعية الدستورية بشكل سريع.
لم يدم تعايش قادة المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس السابق أبو بكر كيتا، في 18 أوت من العام الماضي، والسلطات المدنية في مالي، أزيد من 09 أشهر. حيث اقتيد الرئيس الانتقالي باه نداو والوزير الأول، الدبلوماسي، مختار وان، إلى ثكنة «كاتي» الشهيرة، قرب العاصمة باماكو، ووضعا رهن الاعتقال فور صدور التشكيلة الحكومية الجديدة.
وبعد غليان في الجبهة الاجتماعية، خاصة مع تفاقم أزمة إضراب اتحاد الشغل في البلاد، قدم، وان، استقالة حكومته للرئيس نداو. الأخير جدد فيه الثقة، وكلفه بتشكيل حكومة جديدة، خلت قائمتها المعلنة، أمس الأول، من عضوين بارزين في المجلس العسكري السابق، كانا يشغلان وزارتا الدفاع والأمن.
وحسب مصادر إعلامية في مالي، فإن الوزير الأول، مختار وان، كان قد عبر عديد المرات عن رغبته في الاستقالة بسبب ما قال إنها «ضغوط يتعرض لها»، ولكن الرئيس الانتقالي وهو جنرال متقاعد، يمنحه ثقته في كل مرة.
ويبدو جليا أن نداو، دفع ثمن تمسكه بوزيره الأول، إذ فشل العسكريون، في إقناعه بالتخلي عنه طيلة ليلة الاثنين إلى الثلاثاء، والتي قضوها في مفاوضات عسيرة داخل ثكنة كاتي. الأمر الذي دفع بنائب الرئيس الانتقالي وقائد المجلس العسكري العقيد عاصمي غويتا، إلى إصدار بيان تجريد الشخصيتين من صلاحيتهما.
ولجأ غويتا، إلى ميثاق المرحلة الانتقالية، لتبرير عزل نداو ووان، بحجة أنهما خالفا البند المتعلق بضرورة «استشارته» في استخلاف وزارتي الدفاع والأمن كونه المسؤول الأول عنهما.
وأيا كانت الأسباب، فقد تأكدت مرة أخرى صعوبة التعايش بين العسكر الذين يقودون التغييرات غير الدستورية في أعلى هرم السلطة والمدنيين في تسيير المرحلة الانتقالية، وما حدث، أمس، يعد شبيها إلى حد كبير، بما حصل سنة 2012، عندما أطاح قائد الانقلاب على الرئيس المالي الأسبق حمادو توماتو توري، النقيب أمادو هايا صانوغو، بأول رئيس وزراء المرحلة الانتقالية آنذاك الشيخ موديبو ديارا بينما، وأرسل عسكريين لاعتقاله وهو على سلم الطائرة يستعد للسفر إلى باريس.
الوضع الحالي
رغم الليلة العاصفة في ثكنة كاتي بباماكو، واستنفار دول المنطقة والمجموعة الدولية، إلا أن ما جرى لم يحدث أيّ ارتباك على الصعيد الشعبي، بحيث ذكرت الصحف المحلية، أن سكان العاصمة، قضوا يومهم كباقي الأيام العادية.
التمعن في سير المفاوضات الفاشلة بين العسكريين والرئيس الانتقالي ووزير الأول، يحيل إلى أن العقيد عاصمي غويتا ودائرته، أرادوا استعادة السيطرة على الحكومة بشكل سريع ودون اللجوء إلى الانقلاب، وأن تشمل العملية الجراحية الدقيقة الوزير الأول دون سواه، خوفا من إدانة المجتمع الإقليمي والدولي.
وفاء نداو لوان، لم يترك لغويتا خيارا غير اللجوء إلى ميثاق المرحلة الانتقالية (دستور انتقالي) لتبرير عزل الشخصيتين، في محاولة لإيجاد مخرج من مأزق الغضب القاري والدولي، والذي عبر وعلى رأسه الجزائر عن رفضه «الشديد» لأي عمل يهدف إلى تغيير الحكومة بالقوة.
ما يهم الجزائر
لا يمكن أن يشكل الصدام الفعلي بين قادة المرحلة الانتقالية في مالي، مفاجأة للجزائر، فالتوتر بين الطرفين يعود لأشهر ماضية. وتوقعت أطراف سياسية مالية وعلى رأسها قادة حراك 05 جوان، نهاية سيئة، بسبب ما قالت إنه «انغلاق كل جهة على نفسها وانعدام الحوار».
ومن حيث المبدأ، حرصت الجزائر على تجديد رفضها المطلق للتغيير بالقوة، وعبرت، أمس، على لسان وزير الشؤون الخارجية صبري بوقدوم، بمناسبة يوم إفريقيا، عن «مواصلة مرافقة الإخوة في مالي لتجاوز الوضع في مالي والعودة السريعة إلى الشرعية الدستورية».
والعودة السريعة إلى الشرعية الدستورية، تكون عبر احترام آجال المرحلة الانتقالية المحددة بـ 18 شهرا، والتي لعبت الجزائر دورا كبيرا في تسقيفها عند هذه المدة، «وأصرت» ألا تكون بثلاث سنوات مثلما اقترح قادة المجلس العسكري.
وفي السياق، أعلن العقيد غويتا، في بيانه، أمس، عن تمسكه بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد بين شهري فيفري أو مارس 2022.
ولعل أكثر ما يهم الجزائر، من كل التطورات الجارية أو المستقبلية، هو عدم تعريض اتفاق السلام والمصالحة الموقع سنة 2015 للخطر، والذي يعتبر السبيل الوحيد لإخراج البلاد من أزمات بناء دولة الوحدة الوطنية.
وكانت الدبلوماسية الجزائرية، وبأمر من رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد ألحت في سبتمبر من العام الماضي، على «إشراك» كل الأطراف الموقعة على اتفاق الجزائر في المجلس الانتقالي والحكومة، والتنصيص على احترام الاتفاق والالتزام به في الميثاق الانتقالي وهو ما حصل.
وفي وقت تنظر بعض الدول إلى مالي كقاعدة خلفية للهجرة غير الشرعية والتهديدات الأمنية، تعمل الجزائر دون شرط على المساهمة في ترسيخ البناء المؤسساتي للدولة، والعودة إلى الشرعية الدستورية، دون إقصاء أي طرف، مع عدم السماح بانهيار جديد للمؤسسات القائمة.