تتنافس الشّركات المختصّة بتعبئة المياه وتسويقها، في التّقرّب من الزّبائن بوسائل شتّى، هؤلاء يعرضون (نصف لتر ماءً) مجانا، وأولئك يزايدون عليهم بـ(لتر كامل)، وآخرون يبدعون في عرض مزايا (مياههم!!).. هذه تذوّب (حجر الكلى والمرارة)، وتلك تدعم الخطوط الخلفيّة لـ»الكالسيوم»، وثالثة ترفع مستوى الذّكاء، ونوعيّات أخرى تساعد على النّحافة وترطّب البشرة وتخفّف من آلام الرّكبة والكتفين، وهلمّ جرّا..
أمّا السّوق الموازية لـ»الماء»، فإنّها تشتغل على أدوات للتّسويق عالية الجودة، فالمياه في هذه السّوق، وإن كانت معبّأة في قوارير تعافُها النّفوس، فإنّ (البركة) التي تدّعيها تضمن لها الرّواج، مع أنّ «أسعارها» تتجاوز ما يمكن أن يتصوّره الخيال، ذلك لأنّها (تعالج!!) ما يتعالى على قدرة الأطباء، فهي تحفظ من «العين»، وتبطل السّحر، وتطرد العفاريت، وتجلب الحظّ، وتقوّم المائل، وتزوّج التّاعس والعانس، وترفع البلاء، وتيسّر عروض التّجارة..
لم يبق معنا الآن سوى الشّركتين المكلّفتين بتوزيع الماء الشّروب «العادي!» الذي يعتمد موزعوه خطابا مختلفا نوعا ما، فالشّركتان معا، تحضّان النّاس على «عقلنة الاستهلاك»، والتبليغ على التّسربات الممكنة، غير أنّ نظرتهما العامة لـ»الماء»، تتطابق مع نظرة السّوقين الرّسمية والموازية حين يتعلّق الأمر بـ»الفوترة»، فقد تعوّد النّاس على فكرة (خلّص الما) و(اشريت الما)، وألقوا إلى النسيان ذلك المأثور الجزائريّ القائل: (اللّي يبيع الما، يموت اعمى)..
وإذا كنّا نعيذ (تجار الماء) من العاقبة التي توعّدهم بها المأثور، فذلك لأنّنا نعرف أنّهم لا يبيعون الماء، وإنما يتلقّون مقابل الخدمات التي يقدّمونها، ثمّ إنّ النّاس ـ في العالم أجمع ـ»شركاء في الماء»، وليس لأيّ كان أن يحتكره دون بقيّة البشر، وعلى هذا، نفهم بأنّنا ندفع ما يضمن للنّاشطين تواصل خدماتهم، فالسّوق الرّسمية تحتاج – مثلا – يدا عاملة وقوارير وغير ذلك من متطلّبات التعبئة، والموزعان يحتاجان عيونا ساهرة على شبكات التوزيع، وميزانيات للتنقيب وأخرى للإصلاح، والرقاة بدورهم، يحتاجون إلى انتشار نوع من الغباء منقّح.. فمن يقنع هؤلاء جميعا بأنهم ليسوا تجار ماء، ليكفّوا عن الإشهار الكاذب..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.