مستجدّات عديدة دفعت إلى بروز ملامح تغيير جذري في العلاقات الدولية، آخرها الوباء الذي قلب العالم رأسا على عقب، وبسببه تعرّض الاقتصاد العالمي لانتكاسة مؤلمة، فرضت واقعا مغايرا تسارعت فيه الجهود لإيجاد حل شامل تمثّل في خوض معركة طبية مضنية لإطلاق لقاح يحرّر القيود، ويرفع المخاطر عن حركية البشر، ولم تكن الحروب والأوبئة والفيروسات السّابقة أقل أثرا وكلفة وخسائر، لأنّها في مجملها أرهقت العالم، ولعنة الفيروس الشّرس لم تطال الدول الفقيرة وحدها بل المتطوّرة منها بعد أن وجدت نفسها في فوهة المخاطر، حيث أنفقت الأموال وخسرت العتاد والإنسان.
عالم اليوم وعالم الغد وجهان مختلفان عن كل ما سبق، بعد أن تمّ قطع فصول دامية من الصّراعات المنهكة واشتعال العديد من الحروب، التي لم يجن منها الإنسان سوى الدمار والخيبة والتفكك، بعد أن تعب الجميع من رحى الموت وانفضحت معادلة القوي يأكل الضعيف، لذا صارت الشّعوب تتطلّع إلى نظام عالمي جديد أكثر اعتدالا وانسجاما وإنصافا، يخلو من الضغط والخوف ويعيد الثقة وروح التعاون بين الجميع، وإن كان هناك اعتقاد سائد بأن الظروف والأوضاع والتوجهات الراهنة ستشهد تغييرا جذريا على جميع الأصعدة.
الاستشرافات تتنبّأ ببروز تحوّلات جذرية في القوة الجيوسياسية، وتترقّب ميلاد تحالفات عالمية جديدة من شأنها أن تفضي إلى نظام متعدّد الأقطاب مازالت صورته لم تكتمل وضوابطه غير واضحة، لكن يتخوّف أن يتشكّل عالم أشد تعقيدا وأكثر تنوّعا، حيث يستحيل معه أن تتحكّم فيه قوى كبيرة متنافسة ومتصارعة، فهل فعلا نقترب من نظام جديد يزيح عن طريقه العولمة؟ أم أنها ستندمج وتذوب بين أسسه وتصبح جزءا تابعا له، في وقت ينذر فيه هذا التحول المنتظر إلى عالم تقربه المصالح الاقتصادية..عالم متعدد الأقطاب أي أقطاب كبيرة وقوية؟ والكلمة الأولى والأخيرة وكذا التأثير الحقيقي لا يعود إلى دولة أو دولتين بل إلى ثلاثة أو أربعة أو أكثر.
قمّة تاريخية جمعت مؤخرا بين بوتين وبايدن مؤخرا، بعثت بالعديد من الرّسائل الظاهرة والمبطنة، أهمها أن التقارب بين أكبر قوتين عالميتين ممكن وقادر على تصحيح الاختلالات، وإبعاد التوتر وتخفيف القلق، وتصحيح الإجحاف الذي يقع على دول الجنوب خاصة الفقيرة والضعيفة، وإرساء أدنى حد من العدالة والمساواة والاستقرار الأمني، الذي لا يمكن للنّظام العالمي أن يتقوّم بعيدا عنهما.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.