تتداول المنصّات الإعلاميّة والتّواصليّة منذ بضعة أيام، حديثا عن «سوق للعقار»جزائريّةٍ، تكون قد انكمشت بنسبة ثلاثين في المائة. ويشير الحديث – في كلّ مرّة – إلى انخفاض (رهيب) زحف على الأسعار، ولكنّه لم ينفع في تحريك دواليب البيع، لتبقى سكنات (البومليار والبومليارين) راكدة، لا تجد جمالا يشفع، ولا زبونا يرضى.. وقيل إن (السّوق) إيّاها، لم تعد تشتغل سوى بـ»المستأجرين»، وإن كانت أسعار الكراء مُقتطعة من النّار، وبئس القرار..
وإذا كنا نفهم معنى «انخفاض الأسعار»، ونفهم طبيعة «الركود»، فإنّنا لم نستوعب معنى «سوق»، فهذه – كما عرفناها – تحتكم إلى تقاليد تجارية راسخة، يعرفها كل التّجار المحترفين في العالم. فالمفترض – بتحصيل حاصل – أن المنتج أو التّاجر، يسعيان إلى تسهيل حياة الزبائن، باعتبار أن (اللي يربح، العام طويل). والمفترض كذلك، أن السوق تمنح المنتج السّيطرة على سعر العرض، بينما تمنح الزبون السّيطرة على سعر الطّلب. غير أنّ «سوقنا» العزيزة، تصادر حقّ الزبون، وتسير على منهج (أدّي والا خلّي)، وكأن الزبائن ينبغي أن يخدموا التّاجر، وليس العكس..
وحين نقارن بين أسعار السّكنات العموميّة وسكنات المقاولين الخواص، فإنّ الفارق المرعب في الأسعار هو أوّل من يسجّل حضوره (الجميل!!)، مع أن السّكنات جميعها، تُرفع بنفس موادّ البناء، و»تستغلّ» نفس العمال، وتراهن على نفس «الأخطاء» الهندسيّة، ولا تفكّر مطلقا في جمال ترسمه، ولا في طبيعة تحترمها، ولا في حاجة السّكان من مساكنهم..
الفارق في الأسعار بين العمومي والخاص إذن، لا يعود إلى أعمال هندسية خارقة، ولا يتعلق باستعمال مواد إسبانية، وأخرى هندية أو حتى مواد مستخرجة من «ألف ليلة وليلة»، والزّبون الذي يتحصّل على سكن عمومي، تعوّد على تحويل مسكنه إلى ورشة بعد تسلّمه، ومع هذا، لا يرتفع سعره بالشّكل المرعب الذي تعرفه سكنات الخواص.. ولهذا، فإنّ ما لدينا، هو «شيء يشبه السّوق»، وهو مرتع لـ «سّماسرية»، وليس السّوق التي يتعارف عليها النّاس..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.