حمّل الحراك الشعبي النخبة، كل النخبة، وليس نخبة السلطة فقط، مسؤولية الانتهاء من نظام سياسي صار عاجزا، بل ومعمما للفساد وأحيانا بدا حاميا له، وبناء منظومة سياسية أخرى، منها نظام سياسي كفيل بجسر مختلف الفجوات بين قمة الهرم وبين قاعدته.
مشكلة النخبة التي تتولى إدارة شؤون الدولة، في هذه الفترة المعقدة والبالغة الأهمية متعددة الأبعاد. فهي ينبغي أن تحقق على الأقل انتقالين ضروريين: انتقال من جيل نوفمبر إلى أجيال الاستقلال، ثم الانتقال من نظام سياسي إلى آخر.
وإذا كان الانتقال السياسي ممكنا مع المسار السياسي، الذي فتحه الرئيس تبون، بدءا من تعديل الدستور ووصولا إلى بناء مؤسسات جديدة تحظى بالشرعية والمصداقية، فإن مسألة الانتقال من جيل الثوار المجاهدين إلى أجيال الاستقلال، مسألة بالغة التعقيد، خاصة عندما نتمعن حال الساحة السياسية، ولهذا فهي ليست مسألة قرار سياسي، حتى وإن كانت الإرادية السياسية توفر ظروف ذلك.
واضح أن المسألة ليست مسألة سن فقط. فمثلا لو نظرنا للأمر من حيث الاستعداد النضالي، لخدمة البلاد والشعب، لسجلنا من دون كثير عناء أن سنين الأزمات المتلاحقة، لاسيما أزمة الدولة والحكم، خلفت استقالة نضالية واسعة النطاق، خاصة في فئة الشباب. وأن الساحة السياسية لم تتمكن من تنظيم المجتمع، وأن من يدخل الأحزاب السياسية من الجزائريين لا يتجاوز نسبة 4 في المئة (حسب إحصائية لاستطلاع رأي تم منذ سنين)، وأن العلاقة بين النخب والمجتمع في حال انكسار حاد.
لهذا فإن مهمة النخبة الحاكمة اليوم معقدة، إذ ينبغي أن توفر الكثير من المصداقية السياسية لكي توفر شروط عودة الجزائريين، لاسيما الشباب إلى العمل السياسي النضالي، ولتحقيق ذلك لابد من أحزاب وحركات سياسية ذات مصداقية، وهو ما يستوجب بروز وجوه جديدة وقيادات جديدة ومنهجيات عمل سياسي جديدة ومفاهيم وبرامج متكيفة كلية مع الوقائع الجديدة ومع الحالة النفسية للجزائريين.
تلبية مطالب الجزائريين تتطلب إعدادا آخر للنخب، وهذه مهمة دولة وليس سلطة، وتتطلب علاقة أخرى للنخب بالناس وتتطلب كفاءة سياسية خاصة في ترجمة مطالب الجزائريين في برامج وفي اقتراح بدائل الحلول.