بعد مخاض عسير حبس الأنفاس وشدّ العقول، تمكّن اللّبنانيّون من تشكيل الحكومة التي انتظروها لأزيد من 13 شهرا، أي منذ استقالة حكومة حسن دياب إثر انفجار مرفأ بيروت المروّع في أوت 2020، والذي أدّى إلى مقتل أكثر من مائتي شخص وإصابة أكثر من 6500 بجروح، ودمّر أحياء من العاصمة، مفاقما معاناة اللبنانيين الذين بات 78 في المائة منهم يعيشون تحت خط الفقر.
إعلان الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، هلّل له الجميع وباركته المجموعة الدولية التي طالما دعت السياسيين اللبنانيين إلى تجاوز خلافاتهم ووضع مصالحهم جانبا، وإعلاء مصلحة البلاد التي غرقت في أزمة اقتصادية لم تشهدها حتى في سنوات الحرب الأهلية الطويلة، ومن كلّ الجهات، من فرنسا وأمريكا وغيرهما، صدرت بيانات مرحّبة بهذا الإنجاز، الذي يعتبر خطوة لابدّ منها لأجل اتخاذ تدابير طارئة ينتظرها اللبنانيون لتجاوز محنتهم وتنفيذ الإصلاحات التي يضعها المجتمع الدولي كشرط لمساعدتهم وانتشالهم من الجحيم.
معلوم، أنّه على مدى عام ونيّف ربط المجتمع الدولي تقديمه أي دعم مالي للبنان بتشكيل حكومة من اختصاصيين تنكبّ على إجراء إصلاحات جذرية، واكتفى في الأثناء بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، من دون المرور بالمؤسّسات الرّسمية.
اليوم وبعد تجاوز الانسداد، وخرجت الحكومة اللبنانية إلى النور، بات السؤال مطروحا حول حظوظها في تجاوز التحديات المعقدة التي يمرّ بها بلد الكرز، وقدرتها على اتخاذ إجراءات عاجلة لإصلاح الاقتصاد المنهك، وتحقيق التطلعات المشروعة للشعب اللبناني.
في الواقع، التحديات التي تواجه تشكيلة ميقاتي كثيرة ومعقّدة، بحيث يتداخل فيها المحلي بالدولي، وعلى رأس هذه التحديات، إنقاذ اقتصاد البلاد المتعثر، واحتواء الانهيار، ولهذه الغاية، يقول محلّلون إنّ الحصول على مساعدات مالية من صندوق النقد الدولي أمرا ضروريا.
وتشمل لائحة التحديات الطويلة، تحقيق استقرار العملة الوطنية، ومكافحة التضخم المفرط والشح الذي يطال مواد رئيسية، حيث قفزت تكلفة الغذاء بنسبة 700 % في العامين الماضيين، كما يعيش 78 % من اللبنانيين حاليا تحت خط الفقر في مقابل أقل من 30 % قبل الأزمة، بحسب الأمم المتحدة.
وسيتعين على الحكومة معالجة النقص الخطير في الأدوية والوقود والكهرباء، والذي يعرض الصحة العامة للخطر، ويشل نشاط المستشفيات والشركات والصناعات.
وعلى الصعيد السياسي، يقول خبراء إنّه سيتعين على الحكومة الحالية استعادة الثقة المفقودة تماما في الدولة، وتمهيد الطريق للانتخابات التشريعية المقررة في ماي 2022.
لبنان خطى خطوته الأولى في طريق الخروج من الأزمة، لكن مسافة الألف ميل نحو تحقيق الانفراج تبدو بالفعل طويلة، وتستدعي توافقا داخليا وإصلاحات تعيد ترتيب الأوضاع السياسية والاقتصادية بعيدا عن لغة الإبتزاز والضغوط الخارجية، كما تستدعي تحرّكا عربيا عاجلا لنجدة اللبنانيين، حتى تتحوّل شعارات التعاون العربي – العربي إلى أفعال.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.