على ضوء آخر المستجدات بدأت مؤشرات تلوح، تعكس توجه العالم وتسابق عديد البلدان خاصة الدول الغربية المؤثرة في السياسة الدولية إلى بناء تحالفات إقليمية جديدة، ترتكز على بعد استراتيجي وأهداف جيوسياسية بعمق بما يحفظ مصالحها لعقود طويلة، ولعل أزمة الغواصات التي نشبت بين فرنسا وشركائها التقليديين، استراليا وأمريكا وبريطانيا ستمهد من دون شك إلى ميلاد خارطة جديدة لتحالفات كانت إلى غاية الأمس مستبعدة، لكن على الأرجح ان الرئيس الأمريكي بايدن يحمل في أجندته نظرة مغايرة،وستظهر في المستقبل تكتيكا جديدا من التحالفات يحفظ به بلد العم سام تفوقه العسكري والاقتصادي، وبالتالي الريادة تحت غطاء التحالفات مع بروز ونمو قوى لا يستهان بها خاصة في القارة الأسيوية.
عندما كانت بريطانيا تتشبث بقلق بروح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وحسمت أمرها باختيار “البريكست “عن البقاء في التكتل الأوروبي، بحثا عن حرية أكبر للاندفاع نحو تكتلات تكون أكثر منفعة على عدة أصعدة، سواء اقتصادية أو عسكرية أو جيو استراتيجية، كان منتظرا وجليا للقريب والبعيد أنه ستنضم إلى تحالفات يكون فيها هامش حريتها أقل قيدا من الاتحاد الأوروبي، وبدا للمستشرفين أن أعينها منصبة على بدائل أخرى تضاعف من مصالحها المتعددة ترضي طموحها المتصاعد في تحقيق تفوق أكبر سواء اقتصاديا أو عسكريا.
باريس تلقت صفعة مؤلمة بالرغم من أنها الدولة الأوروبية ذات الثقل والتأثير، كونها الدولة الثانية من حيث القوة والوزن، لكن التوتر والقلق تجاوز فرنسا ليتسرب الشك نحو الاتحاد الأوروبي، خاصة أن بايدن منذ مجيئه إلى سدة الحكم طمأن بأنه سيعيد الاعتبار لتحالفاته التقليدية، خاصة الأوروبية. لكن تبقى المصلحة في العلاقات الدولية، العامل الأول والأخير الذي يتحكم ويوجه سياسات الدول وتسقط معها الثبات على محور واحد أو توجه ثابت، فكيف ستتحرك أوروبا ممثلة في منطقة الأورو تجاه هذا التحالف المرشح لأن يجمع دولا أخرى ناطقة باللغة الإنجليزية على غرار كندا؟.
في الأيام القليلة المقبلة تجتمع أمريكا مع اليابان وكوريا الجنوبية والهند بالبيت الأبيض، وهذا من شأنه أن ينذر بميلاد تحالفات أمريكية جديدة، وهذا التحرك الأمريكي المتسارع بات يصنف في خانة التخوف الأمريكي من قوى صاعدة ومن خطر فقدان تفوقها، لذا سابقت الجميع للعب ورقة التحالفات للحفاظ على زعامتها للعالم وتطويق ومحاصرة منافسيها الأقوياء.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.