إحباطات متتالية عرفتها باريس في آخر السّنوات، جعلت من التّصريحات العدائية للرّئيس الفرنسي ضد الجزائر محاولة بائسة منه للتغطية عليها، وتوجيه الرأي العام الفرنسي لقضايا أخرى.
بداية بالسّياق الانتخابي والذي لعب دورا كبيرا في كيفية صياغة هذه التّصريحات، لاسيما وأنّ استطلاعات الرأي توقّعت فشل ماكرون في الفوز بعهدة رئاسية ثانية وتراجع شعبيته، فاختار لعب ورقة الجزائر واستمالة أحفاد وأبناء الحركيّين «القومية» عندما اعتذر لهم.
وذهب أبعد من ذلك حينما تدخّل في الشّأن الجزائري ونصب نفسه «مؤرّخا مزيّفا» لكسب ود اليمين المتطرّف، الذي لا يخفي عداءه للجزائر.
مالي هي الأخرى شكّلت إحباطا كبيرا لباريس، بداية بتحقيق للأمم المتحدة اتّهمت فيه فرنسا بانتهاك حقوق الإنسان في مالي، وتوجيه ضربات جويّة نفّذها الجيش الفرنسي قتلت فيها 19 مدنيا تجمّعوا لحضور حفل زفاف، وصولا إلى اتّهام رئيس وزراء مالي الحالي فرنسا بتدريب جماعات إرهابية في بلاده، في تناقض صارخ مع الأهداف المعلنة لهذا التدخل وهي محاربة الإرهاب أساساً، ما دفع باريس للتّفكير في سحب قوّاتها والتّحجّج بالانقلاب الأخير في مالي، لاسيما وأنّ هذا التدخل أرهق الخزينة الفرنسية.
الإحباط الاقتصادي هو الآخر جعل فرنسا في وضع صعب جدّا، حيث خسرت في السّنوات الأخيرة أسواقا مهمّة في إفريقيا، فحتى النيجر التي تموّن فرنسا بـ 70 ٪ من اليورانيوم المستخدم في إنتاج الكهرباء وصلتها الاستثمارات الصينية، هذه الأخيرة أصبحت الشّريك الاقتصادي الأول للقارة السّمراء متجاوزة فرنسا بأشواط.
نزيف الخسائر والإحباط لم يتوقّف عند مناطق نفوذ باريس التّقليدية فقط، فحتى حلفائها الاستراتيجيّين خذلوها، حينما ألغت أستراليا صفقة الغوّاصات الفرنسية، واستبدلتها بأخرى أمريكية في لعبة سياسية لا تعترف إلاّ بالمصالح.
«نقلب الصّفحة ولا نمزّقها» كان هذا رد الرّئيس الرّاحل هواري بومدين، على كلمة الرّئيس الفرنسي جيسكار دستان سنة 1975 أثناء زيارته للجزائر، صفحة جديدة يمكن أن تفتح بشراكة رابح-رابح واحترام سيادة الدول، لهذا فباريس مدعوّة لنزع الكعب العالي، والمشي حافية القدمين في تعاملها مع الأفارقة.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.