يعرف المشهد الإعلامي في الجزائر، تحولا ملحوظا في السنوات الأخيرة، بعد بروز الإعلام الالكتروني، وتسجيل تفاعل كبير مع هذا النوع الجديد.
يتفق كثير من العاملين في قطاع الإعلام، أن الصحافة الإلكترونية في الجزائر تخطو خطواتها الأولى خاصة مع الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي وتأثيرها في الرأي العام.
ومع ظهور ما يعرف بـ”صحافة المواطنة” وريادة منصات التواصل الاجتماعي للمشهد الصحفي والإخباري في الجزائر، بدأ التحول الإعلامي من الورقي والسمعي البصري إلى الإلكتروني، الأمر الذي دفع بعديد العناوين للاستعانة بالصحافة الإلكترونية بهدف البروز من جديد.
وأمام هذا التحدي، رسمت الصحافة الإلكترونية مكانة خاصة بها تختلف عن الصحافة التقليدية، وأخذت تنافس كبرى القنوات التلفزيونية والجرائد، خاصة وأن الدولة تعوّل كثيرا عليها في مواجهة المخاطر والتهديدات والهجمات التي تشنها دول لا تحب الخير للجزائر.
ويرى رؤساء تحرير مواقع إلكترونية بارزة في الجزائر وأساتذة أكاديميون، أن ما يحدث في العالم الافتراضي وكمية الإشاعات والحملات العدائية التي تتعرض لها الجزائر، يستوجب المرور بسرعة لتنظيم قطاع الصحافة الإلكترونية وتمكين المؤسسات الإعلامية الناشطة في هذا المجال من مكامن القوة لمجابهة تحديات المرحلة والوقوف إلى جانب مؤسسات الدولة أمام حملات التشويه الأجنبية.
وفي هذا السياق، أكد وزير الاتصال عمار بلحيمر، أن الإعلام الالكتروني “يعول عليه في إحداث التحول الإيجابي الكفيل بمواكبة الرقمنة والإعلام الجديد”.
المسؤولية الإعلامية.. أول تحديات المواقع الإلكترونية
أجمع مسؤولو مواقع إلكترونية تحدثوا لـ “الشعب أونلاين” معهم، على أن هناك بعض الصحف الإلكترونية لا تلتزم بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية، في ممارسة المهنة، من خلال نشر أخبار ومعلومات مغلوطة، باعتمادها على النسخ واللصق، فيما اعتبر هؤلاء أن المسؤولية هي أول تحدي لهم من أجل الوصول إلى إعلام الكتروني هادف.
وقال مسؤول الموقع الإلكتروني “الشعب أون لاين” التابع لمؤسسة “الشعب”، محمد مغلاوي، إن الإعلام الإلكتروني، وعلى الرغم من التأخر الذي عرفه منذ بداياته، إلا أن عددا من الصحف الإلكترونية في الجزائر، عرفت تحسنا وتطورا في احترامها لأخلاقيات العمل الصحفي، بعد أن عاشت فترة انتقالية وتجارب فاشلة لمواقع احترفت الأخبار الكاذبة وانتهجت أسلوب التضليل والتهويل والتحريض.
وأضاف مغلاوي قائلا: “.. منذ حوالي سنتين أصبحت المواقع أكثر تنظيما، بعد صدور المرسوم التنفيذي المحدد لممارسة نشاط الإعلام عبر الأنترنت وأيضا بعد الورشات واللقاءات التي نظمتها وزارة الاتصال والتي سمحت بوضع النقاط على الحروف وتحديد قواعد ضابطة لهذا النشاط”.
من جهته، يرى مدير موقع الشروق الإلكتروني، سمير فارس، أن “الكثير من المواقع تعتمد على الشائعات ولا تتحقق من الأخبار قبل نشرها”، وأضاف أن هناك مواقع تنمو كالطفيليات باعتمادها على النسخ واللصق نقلا عن مواقع معروفة، وتملك ترسانة من الصحفيين.
وقال سمير فارس، إن “وزارة الاتصال تتحدث عن 150 موقع إلكتروني قدموا طلبات الاعتماد، ولكن في الواقع لا يوجد أكثر من 20 موقعا ناشطا والمواقع القوية لا تتجاوز 5 مواقع”.
وأكد المتحدث ذاته، أن “المسؤولية الأخلاقية متفاوتة، فالمواقع الكبرى التابعة لمؤسسات إعلامية تقليدية تلتزم عموما بأخلاقيات المهنة والقوانين لأنها تخشى سيف القانون..”.
بدوره، يوضح رئيس تحرير الموقع الإلكتروني “سبق برس”، محمد رابح، أن “المسؤولية في الإعلام تحتمل عدة قراءات سواءً من الناشرين أو القراء أو السلطة، والثابت أن أكبر مسؤولية تقع على الناشرين في الالتزام بأخلاقيات المهنة وتقديم خدمة إعلامية في المستوى المقبول، تشكلّ إضافة للمجتمع وتبتعد عن الممارسات المنبوذة كالقذف والتشهير وخدمة أجندات خاصة أو معادية”.
واعترف رابح بوجود تجاوزات في الصحافة الإلكترونية، أكثر من الأنواع الصحفية الأخرى، وأرجع ذلك للاعتقاد السائد لدى البعض بصعوبة الرقابة وغياب سلطة ضبط الصحافة الإلكترونية قد تزيد من تعقيد الوضع.
في المقابل، اعتبر رئيس تحرير قناة الوطنية ورئيس تحرير سابق بموقع البلاد الإلكتروني، محمد بلعاليا، أن التزام المواقع الإلكترونية بالمسؤولية القانونية والأخلاقية، ضئيل جدا، وأكد أنه يبقى التحدي الأهم لهذه المؤسسات.
حرية التعبير.. حق مقيّد
ولا يمكن الحديث عن المسؤولية الإعلامية والتزام الصحف الإلكترونية بها، دون التطرق إلى حق هذه المؤسسات في التمتع بالحرية الإعلامية ومنها تأتي الحرية المالية، وفي هذا الإطار، اتفق محدثو “الشعب أونلاين” على أن المواقع الإلكترونية ليست في منأى عن الأنواع الصحفية الأخرى، التي ترتبط بالإشهار العمومي، الذي يعتبر “الرادع” و”المقيد” لحرية التعبير.
ويرى مسؤول الموقع الالكتروني “الشعب أون لاين”، محمد مغلاوي، أنه “لا يمكن عزل الصحافة الإلكترونية عن واقع الإعلام في الجزائر الذي عرف مدا وجزرا في مسألة ممارسة حرية التعبير”.
وقال: “حققت المواقع الإلكترونية بحكم طابعها، هامشا محترما من الحرية، لكنها لم تصل إلى الدرجة التي يمكن تصنيفها في خانة مواقع “حرة”، والوصول إلى ذلك يحتاج وقتا معينا وتكوينا وقانونا يضبط العمل الصحفي في هذه المواقع”.
في حين يعتبر مدير موقع الشروق الإلكتروني، سمير فارس، في تصريح لـ”الشعب أولاين” أن “مستوى حرية الإعلام الإلكتروني متساوي مع المؤسسات الإعلامية الأخرى من مكتوبة وسمعية بصرية”.
وأوضح فارس أن “الرقابة تكون أكثر على المحتوى الإلكتروني لسرعة انتشاره وتداوله بين الجمهور، فهامش الحرية محدود”.
وبرّر المتحدث كلامه بأن “المؤسسات الإعلامية الورقية والإلكترونية لا زالت تعتمد على الإشهار العمومي وبالتالي حريتها محدودة من هذا الجانب رغم أنها تستطيع جني أموال من مصادر أخرى”.
وبالحديث عن التمويل المادي وعلاقته بالحرية الإعلامية، أشار محمد رابح رئيس تحرير موقع “سبق برس” الإلكتروني إلى أن “الإعلام مقيد بقوانين وأوضاع داخلية وتجاذبات سياسية وعوائق اقتصادية، هنا نتحدث مباشرة على مشكل التمويل المرتبط بالإعلانات كونه الأكثر شفافية”.
وتحتاج حرية الإعلام الإلكتروني في الجزائر حسب رابح إلى “قانون إشهار خاص يمكّنها من المنافسة على الإشهار العمومي وفق معايير شفافة”.
في حين يرى نسيم عبد الوهاب مالك موقع “ديزاد نيوز” الإلكتروني ورئيس تحرير سابق في موقع “البلاد نت”، أن “هامش الحرية في الإعلام الالكتروني يرتبط ارتباطا وثيقا بالتحلي بالمسؤولية الإعلامية”.
وقال: “كما تظهر المهمة الجوهرية في وسائل الإعلام، بنقل الأخبار والمعلومات، فإنها مسؤولة أيضا عن إدارة مخرجات ما ينشر وفرز الأخبار والمعلومات والفيديوهات قبل نشرها”.
من جهة أخرى، أشار رئيس تحرير قناة الوطنية ورئيس تحرير سابق بموقع البلاد الإلكتروني، محمد بلعاليا، إلى أن “حرية التعبير مضمونة للصحافة الإلكترونية في الجزائر إلا أنها ليست في معزل عن العقاب في حال مخالفتها للقوانين”.
ويجب ـ حسب محمد بلعاليا ـ “أن نفرق بين حرية التعبير وبين التجني على الغير أو السب والشتم، باعتبار أن القانون رادع للقذف أو المساس بالغير”.
واقع الإعلام الإلكتروني بنظرة أكاديمية
من جهتهم، شخّص أكاديميون، واقع الإعلام الإلكتروني في الجزائر، الذي هو بحاجة ـ حسبهم ـ لقانون يضبط الإعلام الالكتروني، ويحدد حقوق وواجبات مهنيي القطاع وحمايتهم.
وقال الإعلامي والباحث الأكاديمي، مصطفى بورزامة، إن الحديث عن الصحافة الإلكترونية، يتطلب تسليط الضوء على الإطار القانوني الذي يجب أن ينظمها.
وأضاف بورزامة قائلا: “..رغم وجود قانون السمعي البصري، لكن هذا غير كافي، ويجب تحيينه مع التطورات الأخيرة، وأيضا تزامنا مع الانتشار الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وأن عدد المشتركين في فايسبوك يفوق 25 مليون اليوم”.
وشدّد المتحدث ذاته، أنه يجب على السلطات العمومية، تنظيم الإعلام الإلكتروني تنظيما جيدا من الناحية القانونية من جهة، والسعي لتنظيم ورشات لتدريب وتوعية الصحفيين الذين ينشطون في هذا المجال.
أما فيما يتعلق بالتزام الصحف الإلكترونية، بالمسؤولية الإعلامية والأخلاقية، كشف الأكاديمي ذاته، أن هناك بعض المواقع الإلكترونية كانت تنشر أخبار كاذبة ومغلوطة وصور “خادشة”، وهذا في بداية مشوار الصحافة الإلكترونية، لكن بعد تحدث رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عن الصحافة الالكترونية وربط العمل الصحفي بإنشاء ورشات لتسطير قانون الإعلام ودراسة السمعي البصري والصحافة الإلكترونية، تراجعت تلك الصحف عن نقل الأخبار الكاذبة، حسب بورزامة.
ودعا المتحدث ذاته، إلى ضرورة تنظيم المهنة، عن طريق سن قانون يؤطر الصحافة الإلكترونية، مما يجعلها أكثر قوة و تنظيما، وتستطيع أن تكون الدرع الإعلامي الذي يدافع عن الجزائر ضد الحملات الشرسة التي يشنها المخزن والدول التي لا تريد الخير للجزائر.
أما بالنسبة لهامش الحرية الذي تتمتع به الصحافة الإلكترونية في الجزائر، قال بورزامة، إن المواقع الإلكترونية، حققت نسبة لا بأس بها من الحرية، مقارنة بالأنواع الصحفية الأخرى “مطبوعة، سمعية بصرية”، وأضاف أن الصحيفة الإلكترونية، أعطت متنفسا أكثر للأفراد وحتى المؤسسات.
في حين، ركز الإعلامي والأستاذ بالمدرسة العليا للصحافة أحسن جاب الله، على جانب التكوين لصحفيي المواقع الإلكترونية، خاصة أن هذه الأخيرة تشق طريقها بخطوات ثابتة، بهدف الوصول إلى إعلام إلكتروني هادف، الذي يحتاج ـ حسبه ـ لفترة تتراوح بين 5 إلى 6 سنوات.
وأضاف جاب الله أن هناك عدد كبير من الصحف الإلكترونية، لكن أغلبها غير مؤطرة ومؤهلة، وهذا في حد ذاته يطرح مشكل “النوعية وليس الكمية”، وقال: “هذا الأمر يعد فراغا كبيرا، رغم كل المجهودات المبذولة من طرف السلطات في هذا الشأن”.
أول مرسوم تنفيذي ينظم الإعلام الإلكتروني
أصدرت الحكومة أول مرسوم تنفيذي يحدد قواعد ممارسة الإعلام الإلكتروني بالبلاد، في أول خطوة من نوعها لتنظيم القطاع.
ونٌشر المرسوم في الجريدة الرسمية، يوم الأربعاء 8 ديسمبر 2020، تحت اسم “المرسوم التنفيذي المحدد لممارسة نشاط الإعلام عبر الإنترنت ونشر الرد أو التصحيح عبر الموقع الإلكتروني”.
وتضمن العدد رقم من الجريدة الرسمية صدور مرسوم تنفيذي مؤرخ في 22 نوفمبر الفارط، يحدد كيفيات ممارسة نشاط الإعلام عبر الأنترنيت، ونشر الرد أو التصحيح عبر الموقع الإلكتروني، وشمل المرسوم كيفيات ممارسة نشاط الإعلام عبر الأنترنيت، إضافة الشروط والإلتزامات.
ومن بين أهم شروط ممارسة هذا النشاط، وفق المرسوم، أن “يكون الموقع خاضعا للقانون الجزائري، ويتم توطينه ضمن نطاق الإنترنت المحلي (DZ)”.
وأكدت الوثيقة ذاتها، على أن إنشاء موقع إلكتروني إخباري يكون من قبل ممارسي المهنة الذين لا تقل خبرتهم عن 3 سنوات، ولديهم جنسية جزائرية، ولم يسبق الحكم عليهم في قضايا القذف أو السب أو الشتم أو الإهانة أو التمييز أو الكراهية والتحريض عليها.