حينما اكتشف الأمريكي جوناس سالك لقاح شلل الأطفال، رفض تسجيل براءة الاختراع حتى يكون بالإمكان توزيع اللقاح على أوسع نطاق. وعندما سأله التلفزيون عن صاحب البراءة، أجاب: «سأقول للناس لا يوجد براءة اختراع.. هل يمكن تسجيل براءة اختراع للشمس؟»
كان هذا قبل عقود.. أمّا أمسِ، فقد توجّهت أنظار العالم قبلة العاصمة السويدية ستوكهولم، حيثُ أُعلن عن جائزة الطبّ لهذه السنة لعلماء اكتشفوا فيروس «التهاب الكبد سي».. وقد كان للجائزة طعم خاصّ، غلُب عليه عجزُ العلم عن إيجاد لقاح للفيروس الذي قلب العالم رأسا على عقِب.
لم تكتفِ «كورونا» بكشف عجز البشرية فحسب، بل أظهرتْ للعيان ما كان دفينا مِن التهاوي الأخلاقي الذي يشهده المنتظم الدولي، وقد رأينا، بداية الأزمة الصحية العالمية، كيف رفعتْ دولٌ شعار «نفسي نفسي»، وتعدّتْ على كلّ الأعراف والمبادئ، وبلغ الأمر أعمال قرصنة، وتراشق بالتهم، خدم أكثر التيارات الشعبوية والعنصرية.
منذ أيّام «سالك» وأشباهه، تغيّرت أشياء كثيرة في مجال العلم.. وجّهت المخابر جهدها الأكبر صوب أبحاث قد يعتبرها السواد الأعظم من الكماليات: مركّبات التجميل، أقراص النحافة وإنقاص الوزن، وتنشيط الذاكرة، و»أدوية» مضادّة لعددٍ لا يُحصى من أشكال الفوبيا والأمراض «الوهمية».. فيما تحتكر الشركات الصيدلانية الكبرى إنتاج موادّ علاجية بعينها، يُفترض أن تخصّص لإنقاذ الأرواح البشرية، في سوق عالمية تقدّر قيمتها بالملايير، وفرض المنطق الاقتصادي نفسه على المسعى الإنساني..
في نصّ وصيّته، التي لم يُكشف عن وثيقتها الأصلية سوى سنة 2015، طلب ألفرد نوبل أن توزّع قيمة الجائزة على «أولئك الذين قدّموا، خلال العام المنصرم، أعظم الخدمات للبشرية».. بمعنى أنّنا نكافئ من يخدم البشرية، لا من يُسخّر البشرية في خدمته.. ولكن، لمّا نعلم أن «سالك»، الذي رفض الاستفادة ماديا من اكتشافه، لم ينلْ هذه الجائزة، فإنّ ذلك يجعلنا نتساءل: هل احترمت البشرية وصيّة نوبل ورسالته، أم أنّها توغِلُ في خيانتها؟
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.