من بين أجمل ما أذكر من أقوال المهاتما غاندي قوله: سبعة أشياء تدمّر الإنسان: سياسة بلا مبادئ، متعة بلا ضمير، ثروة بلا عمل، معرفة بلا قيم، تجارة بلا أخلاق، علم بلا إنسانية، عبادة بلا تضحية.
وحتى من دون أي عناء تمعّن ومن دون إعمال العقل نرى أن الحكمة الإنسانية والقيم، مع اختلاف الأديان والثقافات، تلتقي كثيرا.
نعم ألا نلاحظ أن الكثير من أمراض واقعنا التي نعمل اليوم على تجاوزها هي غياب المبادئ والضمير والأخلاق والتضحية والعواطف الإنسانية.
وفعلا فإن الانحرافات التي حدثت، والتي صارت منطقا مدمّرا ومنطقا معطّلا لطاقات الإنسان وعواطفه وفطرته، كانت بسبب طغيان المادة وطغيان المصالح الخاصة على حساب الصالح العام وعلى حساب «الدولة». لقد ثبت بما لا يدع مجالا لشك أن ذلك الطريق كان مكلفا جدا وكان طريقا قاد إلى الخواء والرداءة والفساد. لقد طغت المصالح على المؤسسات وعلى المبادئ وعلى الضمائر وعلى القيم والأخلاق، وهذا الطغيان خلّف عوائق جمة.
لهذا البداية صعبة ومعقّدة، لأنها تواجه كل هذا الميراث المرير وكل هذا الواقع السقيم وكل هذا النزيف الحاد وهذه الاختلالات المتعددة الأبعاد.
ولو توقفنا عند مسائل بسيطة لا تفلسف فيها لرأينا أن من نفسه من دون عواطف لا تجاه «شرف» تاريخنا ولا تجاه تضحيات شهدائنا أو تجاه نضال مجاهدينا فضلا عن من نفسه بلا عاطفة تجاه الجزائريين ومعاناتهم وانشغالاتهم وتطلعاتهم، لا يمكن أن يفكر بشكل جدّي لا في بدائل حلول وأقل من ذلك أن ينذر نفسه لخدمة الناس وأن ينكر ذاته خدمة لمصلحة عامة.
البلاد في حاجة اليوم للعمل للكثير من العمل وفي حاجة للثروة للكثير من الثروة ولكنها في حاجة ماسة للكثير من الضمير والكثير من الأخلاق، وأزعم أن كل هذا في حاجة لدولة ولمؤسسات ولسيادة القانون وسيادة العقل وسيادة الذكاء وسيادة عاطفة أكيدة للوطن ولناس الوطن. لهذا صدق غاندي فما دمّر كل الأشياء الجميلة فينا وفي بلدنا هو تلك السباعية التي ينبغي أن نتمعنها كثيرا.