على طول الأزمنة، ظل التاريخ لا يحفظ من أسماء الزعماء والرؤساء الذين يحلّون ويرحلون غير نوعين فقط، أما الأول، فهم الحكام الطغاة الذين يمارسون السلطة بالحديد والنار، والنوع الثاني، هم القادة الذين يخدمون أوطانهم ورعاياهم بكلّ مسؤولية واقتدار ولا يتركوا وراءهم غير إرث من الإنجازات والنجاحات التي لا تنسى، وبين النوعين، تصل زعامات إلى سدّة الحكم في هذه الدولة أو الأخرى، فتحكم بعض الوقت وتغادر في صمت من دون أن تترك أيّ أثر.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تغادر منصبها هذا الأربعاء، من النوع الثاني، فهي زعيمة سيحفظ التاريخ اسمها، وستتذكرها الأجيال كامرأة قويّة حكمت ألمانيا لـ 16 عاما بكفاءة كبيرة، وقادت دفّة سياسة الإتحاد الأوروبي بذكاء ثاقب جنّبه العديد من الأزمات.
في الواقع لم تكن مهمّة ميركل سهلة ولا طريقها مفروشة بالورود، بل على العكس تماما، إذ اعترضت مسيرتها العديد من الصعوبات والتحديات، فمن أزمة منطقة اليورو، مروراً بقضية المهاجرين وصعود الشعبوية، إلى وباء كورونا، لكن هذه «المرأة الحديدية» نجحت في تخطي كل هذه الأزمات التي كان من الممكن أن تطيح بها، وصنعت لها اسما مع الكبار، ومكانا في القلوب والأفئدة بفضل ما قدّمته لشعبها ولأوروبا وحتى للاجئين الفارين من ديارهم، الذين استنجدوا بها فوجدوا «الأمّ» التي فتحت لهم الأبواب واحتضنتهم بدفئها وعطائها.
بالتأكيد لم يكن يخالج تلك الشابة المتخصّصة في علم الفيزياء عندما قدمت من ألمانيا الشرقية (سابقا)، أن تصبح أوّل سيّدة تحكم ألمانيا، بعدما كان طموحها أن تصير معلّمة، لكنها حقّقت ما يشبه المعجزة، وحكمت لأربع ولايات متتالية، وهي اليوم تترك كرسي السلطة في واحدة من أكبر دول العالم دون إقصاء سياسي أو هزيمة انتخابية، كما تترك إرثا سيصعّب مهمّة من يخلفها لما حققته من نجاحات جريئة على عدة مستويات.
ويكفي هذه المستشارة فخرا أن ألمانيا شهدت في عهدها الطويل نموًا اقتصاديا فعالا، حيث يصف خبراء حقبة ميركل «بالمعجزة الاقتصادية الألمانية الثانية» لما حققته من معدلات نماء على مختلف الأصعدة وحتى نسبة البطالة أصبحت الأقل منذ عقدين، كما تظهر استطلاعات الرأي رضا 80 % من الألمان عن وضعهم الاقتصادي.
وعن سياساتها الخارجية، فقد تعاظم الدور الألماني كفاعل قوي ّفي التحديات العالمية، ولكل هذه الأسباب والعوامل فإنّ اسم أنجيلا ميركل سيبقى محفوظا في الذاكرة لوقت طويل.
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق