أبدى كثير من الفسابكة امتعاضهم من الاستقبال الجماهيري الذي حظيت به سيدة (يوتوبية) بمطار الجزائر، وراحوا يعقدون المقارنات بين الاستقبال الفاره الذي حظيت به صانعة محتوى عادي قد يبلغ درجة السّخف، والفراغ الرهيب الذي لقيه عالم جليل، ومخترع بارع، يجلجل اسمه عبر جميع المخابر في العالم، ليخلصوا – في الغالب – إلى انتقاد الوضع الاجتماعي في عمومه، ويصفون المشاركين في استقبال (سيّدة اليوتيوب) بأوصاف مقذعة لا تليق مطلقا…
والحقّ أن المقارنة بين (اليوتيوبرز) والمخترع، هي نفسها انتقاص من المخترع كان ينبغي أن يتجنّبه (نقاد المجتمع)، إذ لا مجال للمقارنة هنا، والمسألة برمّتها لا تتعلّق بأعداد المتابعين، وإنما أصلها في عمق الرّسالة التي يتحمّلها كل واحد وفق مستواه وليس معقولا أن نطالب المجتمعات بأن تخالف الطبيعة، فالأصل أن العالم والفيلسوف والمخترع، لم يحظ على مدى التاريخ بالجماهيرية، ولقد كان باليونان شاعر أعمى يسمى هوميروس، شغل الناس بأساطيره وملاحمه (يوتيوب ما قبل التاريخ)، بينما لم يتمكن سقراط ولا أفلاطون ولا أرسطو ولا أيّ كان من عابري التاريخ، من الحظوة ولو بـ(دعوة خير) من المحيطين بهم، ولم تختلف الحال أبداً مع اختلاف المجتمعات عبر التّاريخ، ولم نسمع أبدا عمّن اشتغل بالمعرفة والبحث، وحظي بجماهيرية (اليوتيوبرز)، وحتى مشاهير الكتاب والرّوائيين الذين يتوق كثيرون إلى رؤيتهم، والفوز بتوقيعاتهم، لا يقدرون على مجاراة أصحاب المحتوى البسيط السّخيف…
روى السعيد بوطاجين، وهو مَن هو قامة وهامة، أنّه دخل المدرّج لإلقاء محاضرة، فسأل الطلبة على سبيل التعارف: هل تعرفون السعيد بوطاجين؟!.. فصمت الطلبة جميعا، وأخبره بعضهم أنهم لا يعرفونه، رغما عن كل ما نشر من أعمال علمية وأدبية، ورغما عن آلاف المقالات التي ينشرها عبر جميع الصحف… هكذا تتعامل المجتمعات دائما… لا فرق بين مجتمع سقراط ومجتمع بوطاجين…
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق