كانت الثورة بحاجة إلى دعم سياسي في إطار الإعلام والتنوير ومواجهة الدعاية الإستعمارية كي يصل صوتها إلى الشعب الجزائري في الداخل والخارج، ولهذا فكر عبد الحفيظ بوصوف مؤسس المخابرات الجزائرية في إنشاء إذاعة سرية انطلاقا من الريف المغربي وذلك في الـ16 ديسمبر 1956 بحجم ثلاث حصص يوميا وباللغات العربية، القبائلية والفرنسية.
يوضح المجاهد دحو ولد قابلية عضو ب “مالغ”، ووزير الداخلية الأسبق لدى تنشيطه لندوة تاريخية اليوم بمنتدى الإذاعة بمناسبة الذكرى الـ65 لتأسيس إذاعة “صوت الجزائر المكافحة”، أن جبهة التحرير لم تكن تملك صحيفة أو إذاعة وكان لابد من دعم الأشقاء لإيصال صوت الثورة وبفضل مصر خصصت حصة بإذاعة صوت العرب يوميا التي قدمت بيان أول نوفمبر 1954 ثم تبعتها بقية الدول العربية.
يشير ولد قابلية إلى أن تونس والمغرب بعد نيلهم الإستقلال سنة 1956 خصصوا حصص للتعريف بالثورة الجزائرية لكن إيصال الرسالة بعمق كان يتطلب أن تقرأ من طرف الجزائريين، ولهذا فكر عبد الحفيظ بوصوف في استخدام الكفاءات الجزائرية .
ويضيف أنه من أبرز الإطارات المكونة التي استعان بها بوصوف ثليجي علي المدعو سي عمار وسدار سنوسي، وفيما يخص طاقم التحرير تم استدعاء ثلاث مثقفين هم رضا بن شيخ مكون في اللغة العربية من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عبد المجيد مزيان أستاذ الفلسفة والسوسيولوجية بجامعة الرباط يحسن اللغة الفرنسية وبوعبد الله حمود من بلاد القبائل للحديث باللغة القبائلية .
تجارب البث الأولى كانت بمنطقة زايو بالريف المغربي أعطى بوصوف إشارة البث المباشر من الريف المغربي وقد لقب بن شيخ بعقبة ومزيان بصلاح الدين أما حمود فسمي يوغرطا ، ويوضح أن تجارب البث الأولى كانت بمنطقة زايو بالريف المغربي الذي كان تحت الوصاية الإسبانية مما سهل تحرك جنود جيش التحرير بالمنطقة، وقد أعطى بوصوف إشارة إنطلاق البث بقراءة سورة الملك ثم الحديث عن تاريخ الجزائر من القديم إلى غاية الإحتلال الفرنسي والمقاومات الشعبية وبكل اللغات، حيث أرادت قيادة الثورة إفهام الجزائريين سبب اندلاع الثورة .
كانت النواة الأولى لهذه الإذاعة تبث برامجها على الموجات القصيرة 25 متر، 31 متر، 49 متر لمدة ساعتين يوميا ابتداء من الساعة الثامنة مساءا باللغات العربية، القبائلية والفرنسية مشكلة من المناضلين عبد المجيد مزيان، عبد السلام بلعيد، مدني حواس، رشيد النجار، الهاشمي التيجاني، موسى صدار، عيسى قوار، لوصيف بوغرارة المدعو محمد القورد، عبد القادر معاشو، بن الشيخ الحسين المدعو ميمون ، الشيخ رضا، بن عبد الله حمود.
كان من وراء هذا الطاقم أعضاء لجنة النظام المدني تسهر على إعداد التقارير والتحاليل السياسية للإذاعة السرية وكذا تحرير مقالات لجريدة المقاومة الجزائرية التي كانت تصدر في تيطوان بالمغرب وهم حاج صالح، زهير إحدادن، عبد القادر بوسلهام، يحيي رحال، عبد المجيد مزيان، عبد القادر معمري،الهاشمي التيجاني، الكروري، قادوش، حمادي ثم إلتحق بهم إسماعيل حمداني، قريصات وزروق موساوي.
يؤكد عضو المالغ أن الذين كانوا يشتغلون في الإذاعة السرية واجهوا ظروفا صعبة جدا من حيث المأكل والإيواء، لكنهم كانوا تحت حراسة مشددة أمنها لهم بوصوف، ويقول:”الإذاعة سلاح حرب وكان تأسيسها افتخار كبير للجزائريين، لكن رد الفعل الفرنسي كان بالتشويش أو التخريب بتنصيب مراكز تشويش بالريف المغربي والإستعانة بالحركى للبحث عن مكان تواجد شاحنة البث “.
ويشير إلى أنه بسبب هذا التشويش توقف جهاز الإذاعة عن البث لمدة سنة تقريبا ، وكان الحل بمساعدة مسعود زقار المدعو رشيد كازا الذي كانت له علاقات جيدة مع الأمريكيين وتمكن من إقتناء جهاز آخر كان يستعمل في البواخر الكبرى مما سهل عمل الإذاعة السرية، واستأنفت عملية البث في جويلية 1959 وانطلق صوتها مدويا من على الشاحنة المتنقلة عبر الحدود الجزائرية المغربية بالإعلان:”هنا صوت الجزائر المكافحة، صوت جبهة التحرير وجيش التحرير الوطني يخاطبكم من قلب الجزائر”.
في هذا الصدد، يقول ولد قابلية: “كلفني سعد دحلب مع بوعلام بسايح بتحضير الإفتتاحية باللغة الفرنسية التي يترجمها إلى العربية كل من عيسى مسعودي، سعيد كشرود، رشيد نجار ومداني حواس” .
ويضيف:” عملت ثلاثة أشهر بالإذاعة السرية كنا نستقبل حوصلة العمليات العسكرية، نقدم تعاليق على نشاط الحكومة المؤقتة وزيارة المسؤولين الجزائريين للخارج ثم الرد على الأكاذيب والدعايات الفرنسية أو خطب ديغول والمسؤولين العسكريين”.
واقتنت قيادة الثورة جهاز آخر بطاقة عالية يبث على الأمواج القصيرة ويسمع من تونس والقاهرة ولا يمكن لفرنسا التشويش عليه، ففكرت المصالح الخاصة الفرنسية في تأسيس مركز بث مماثل في مدينة شارت بفرنسا يبث باللغات الثلاث العربية، الفرنسية والقبائلية وبنفس شعارات الإذاعة السرية. لكن الرسالة الموجهة للجزائريين ملوثة ، حسب شهادة ولد قابلية.ويؤكد أن هذه التجربة لم تنجح دامت سنة فقط ثم توقفت .