تودّع القضية الصحراوية عاما آخر دون التوصل إلى حل سياسي شامل، وبالموازاة مع ذلك تبذل على المستويين الإقليمي والدولي مساع حثيثة من أجل إحراز تقدم إيجابي يخدم مسار التسوية السياسية في الصحراء الغربية.
“الشعب ” حاورت فؤاد جدو، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة محمد خيضر ببسكرة، حول المستجدّات التي تعرفها آخر قضية تصفية استعمار في إفريقيا على ضوء سياسة التطبيع التي ينتهجها المخزن مع الصهاينة، والتواطؤ الدولي الذي يعرقل كلّ فرص الحلّ العادلة.
– الشعب”: بعد ثلاثة عقود من وقف إطلاق النار ومن الجمود، استأنف الصحراويون الحرب ما جعل قضيتهم العادلة تستعيد زخمها وتحظى باهتمام دولي متزايد، ما تعليقكم على هذه التطورات؟
الأستاذ فؤاد جدو: تعتبر القضية الصحراوية من بين القضايا التحريرية التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا، خاصة في القارة الإفريقية، وقد أخذت تحولات وتطورات كبيرة منذ خروج إسبانيا من هذه المستعمرة ومع دخول طرفي النزاع في المفاوضات التي انتهت بالمرور إلى مبدأ تقرير المصير، وتشكيل بعثة «مينورسو»، وفي الأخير انتهى الأمر إلى جمود الوضع منذ 1991 إلى يومنا هذا، خاصة مع تراجع المغرب عن التزاماته المرتبطة بمبدأ تقرير المصير، ومحاولة فرض ما يعرف بالحكم الذاتي المرفوض والذي يناقض ما اتفق عليه في قرارات الأمم المتحدة، وأمام هذا الوضع لم يبق للصحراويين إلا خيار العودة للكفاح المسلح للدفع بتغير الأوضاع وتحقيق الاستقلال، وهذا الأمر لا مفر منه بالنظر للمواقف المغربية المتعنّتة.
خيار العودة إلى السّلاح فرضه الاحتلال المغربي بسياسته التوسّعية العدوانية، بنظركم لماذا قرّر الصّحراويّون استئناف القتال؟ وما تأثير الحرب على مسار تسوية قضيتهم؟
خيار العودة للعمل المسلح من وجهة نظري كان من المفروض أن يستمر جنبا إلى جنب مع المفاوضات الأولى بين طرفي النزاع، لأن الطرف المغربي استغل فترة وقف إطلاق النار لإعادة ترتيب أوراقه في المنطقة خاصة بناء تحالفات جديدة تقوم على مبدأ استغلال ثروات الشعب الصحراوي في بناء علاقات تتجاوز واقع وقضية الشعب الصحراوي، ومع تأكد الأمر خاصة مع اعتراف الرئيس الأمريكي السابق ترامب بحق المغرب المزعوم في الصحراء الغربية، وأمام هذا الوضع لا خيار أمام الصحراويين إلا العودة للكفاح المسلح، الذي يضمن حقهم في أرضهم وحقوقهم لكسر الجمود والدفع بالمجتمع الدولي للتحرك أمام انتهاكات الاحتلال المغربي ضد الشعب الصحراوي.
-منذ احتلاله الأراضي الصحراوية والمغرب يتمرّد على الشرعية الدولية، برأيكم من أين يستمدّ الاحتلال قدرته على خرق القرارات الأممية؟
الاحتلال المغربي يستمد قوته من بعض الدول المؤيدة له، خاصة فرنسا التي ساعدت المغرب كثيرا على مستوى مجلس الأمن أين تقف ضد أي قرار يتناول مسألة حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية، كما تعمل فرنسا على تفعيل وحماية العقود المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بالرغم من قرارات المحكمة الأوروبية، إلى جانب دعم بعض الدول التي تؤيد الطرح المغربي والتي تتعدى على حقوق الشعب الصحراوي، وانتهى الأمر بقرار دونالد ترامب اتجاه القضية الصحراوية مع التطبيع المغربي الإسرائيلي. وأهم نقطة يعتمد عليها المغرب هي مقايضة ثروات الشعب الصحراوي وتقديم امتيازات وعقود للدول الغربية مقابل السكوت عن الوضع في الصحراء الغربية، والمستفيد الأكبر هو فرنسا في المقام الأول من ثروات الشعب الصحراوي، وأيضا استخدام باريس القضية الصحراوية كورقة ضغط اتجاه الجزائر خاصة للمساومة في قضايا أخرى، وبالتالي فرنسا لا تدعم المغرب فقط للاستفادة من مزايا اقتصادية وحيوية بل أيضا كورقة ضغط ذات بعد استراتيجي في المنطقة.
– وماذا عن الموقف الإسباني، خاصّة وأنّ مدريد قدّمت ما لا تملك لمن لا يملك، وبدل أن تجري استفتاء لتقرير المصير قبل أن تغادر الإقليم الصّحراوي، عقدت اتفاقية مدريد التي سهّلت احتلال المغرب للصحراء الغربية مقابل حصولها على مزايا اقتصادية؟
الطرف الإسباني هو المحرك الأساسي لهذه القضية باعتباره المحتل، والذي دفع بالمغرب وموريتانيا إلى ما يعرف باتفاقية مدريد التي اقتسمت هذه الأرض بينهما، الموقف الاسباني اتجاه القضية الصحراوية تحكمه مصالحه حسب توجهات الحكومة التي تحكم البلاد، فأحيانا نرى تصادما بين المغرب وإسبانيا حول بعض القضايا أهمها الهجرة غير الشرعية والمخدرات أين تستخدم القضية الصحراوية كورقة مساومة، وأحيانا نرى تقاربا بينهما على حساب هذه القضية، وبالتالي الطرف الاسباني يتحرك في المقام الأول وفق مصلحته بالرغم من الالتزام الأخلاقي والسياسي اتجاه هذه القضية.
– كثيرا ما ينتقد الصّحراويّون المعالجة الأممية لقضيتهم، ويستنكرون الاكتفاء في كلّ مرّة بتجديد ولاية «المينورسو» دون تمكين هذه الأخيرة من ممارسة مهامها التي أنشئت من أجلها، وهي تنظيم استفتاء تقرير المصير أو على الأقل مراقبة حقوق الإنسان المغتصبة في الإقليم المحتل، ما قولكم بهذا الخصوص؟
الأمم المتحدة على الرغم من القرارات الأممية وتشكيل بعثة مينورسو، إلا أن دورها مرتبط أساسا بما يفرزه مجلس الأمن من خلال الاجتماعات الدورية لتمديد مهام هذه البعثة، وهذا إلى جانب إرسال المبعوث الأممي للمنطقة أين نجد أن مهمته تفشل في كل مرة بسبب تعنت الموقف المغربي، وما دام أن فرنسا تدعم الموقف المغربي، فإن الدور الأممي لن يتغير في ظل الوضع الراهن، وبالتالي سيبقي الدور الأممي محصورا في مراقبة الوضع مع غياب آليات حقيقية تمكّن هذه البعثة من أداء عملها كما يجب.
– الخروقات المغربية في الصحراء الغربية تمتد إلى نهب الثروات، والصّحراويّون انتفضوا ضدّ هذا النهب، وخاضوا معركة قانونية شرسة توّجت قبل أشهر بصدور قرار من محكمة العدل الأوروبية أنصفهم وشكّل صفعة للاحتلال، ما تعليقكم؟
مسألة نهب ثروات الصّحراويّين ليست جديدة خاصة الفوسفات والصيد البحري، والتي يعمل المغرب على تكريسه وفق منطق الامر الواقع، وكل سنة تصدر قرارات المحكمة الأوروبية بعدم أحقية المغرب في ثروات الشعب الصحراوي، نجد أن بعض الدول الأوروبية خاصة فرنسا تبقي على الاتفاقيات بشكل آخر لاستنزاف ثروات الشعب الصحراوي، لكن ما تقره المحكمة الأوروبية يثبت أن هذه الأرض ليست تابعة للمغرب.
– يصرّ المغرب من خلال سياسة الهروب إلى الإمام على إقحام الجزائر في القضية الصحراوية مع أنّها ليست طرفا فيها، فما دوافع الموقف الغربي هذا؟
المغرب يعتقد أنّ الجزائر هي من تحرّك جبهة البوليساريو، وأنّ النزاع قائم بينه وبينها متجاوزا الحقائق والوقائع بأن الجزائر تدعم حركات التحرر كمبدأ راسخ في العقيدة الجزائرية وموقفها ثابت اتجاه هذه القضايا مثلها مثل القضية الفلسطينية، فالمسألة محسومة بالنسبة للجزائر، والتي تدعم مبدأ حق تقرير المصير لحسم الأمر، في حين المغرب يريد تبني سياسة الهروب إلى الأمام من خلال محاولة يائسة لحصر الأمر بينه وبين الجزائر، متجاوزا أن المسألة هي مسألة تصفية استعمار ناتج عن اتفاقية مدريد.
– ما تقييمكم لجهود الاتحاد الإفريقي في حل القضية الصحراوية؟
بالنسبة للاتحاد الإفريقي الأمر محسوم، فالجمهورية الصحراوية عضو مؤسس فيه ومعترف به، وبالتالي الأمر منتهي، تبقي مسألة دوره، فهو متروك للأمم المتحدة من خلال بعثة المينورسو. باختصار الاتحاد الإفريقي يعتبر القضية الصحراوية قضية تصفية استعمار، ويعترف بالجمهورية الصحراوية.
– كيف تتوقّعون مسار القضية الصّحراوية؟ وهل بإمكان دي ميستورا تحريك المياه الرّاكدة، وتحقيق ما عجز أسلافه عن تحقيقه؟
أعتقد أنّ ما سيحسم القضية الصحراوية هو أمر أساسي متمثل في الكفاح المسلح وعدم العودة عنه، إلى جانب النشاط الدبلوماسي والتعاون مع المبعوث الأممي الجديد لضمان حق الشعب الصحراوي، دون ذلك فالأمر سيراوح مكانه إلى أن ينتزع الصحراويون كامل حقوقهم بالكفاح المسلح.