حمل العام الجديد لسنة 2022، أنباء غير سارة صدمت المستهلك الجزائري الذي بدأ يومه الأول بخبر رفع تسعيرة مادة الخبز العادي المدعم من طرف الدولة إلى 15 دينار في قرار أحادي اتخذ من قبل الخبازين دون الرجوع الى الوصاية، أمر اعتبرته مصالح التجارة والاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين تحديا من قبل المهنيين وسيعاقبون على فعلهم، في حين زادت قناعة المواطن أن “الحماية” بدأ ظلها يتلاشى امام اتساع هامش تحرك السماسرة.
أدرك المواطن بولاية بومرداس وأرباب العائلات الميسورة والمعوزة معا، أنها لم تعد آمنة ومطمئنة على رزقها اليومي ورغيف أطفالها الذي تتلاعب اطراف سماسرة ومضاربين متحكمين في السوق، بعدما حولوا قطاع التجارة إلى ساحة مفتوحة يسود فيها قانون الغاب وليس الممارسة النزيهة، شعار ترفعه مديرية التجارة التي يبدوا أنها آخر من يعلم بأن سعر الخبز العادي تغير بين عشية وضحاها ليرتفع إلى 15 دينار منذ اول السنة الجديدة، بالرغم من تصنيفها ضمن المواد الحساسة والمدعمة التي تتطلب جلسات ومشاورات من اجل زيادة سنتيم واحد، لكن موقف الخبازين كان لهم رأيا آخرا بعدما تحدوا الجميع.
وبحسب المواطنين الذين صادفتهم “الشعب” صباحا أمام المخابز “فإن السعر الجديد كان ممارسا ومطبقا من قبل الخبازين منذ فترة طويلة باستغلال مادة الفرينة المدعمة لصناعة باقي أنواع الخبز الأخرى المفروضة على المستهلك عن طريق التحايل والعزوف عن توفير الخبز العادي إلا بكمية قليلة جدا، أما اليوم فهو مجرد عملية إشهار بالسعر وتعليقه على الواجهة فقط”.
وبهدف معرفة ردود فعل مصالح مديرية التجارة على هذا القرار المفاجئ وغير القانوني من قبل الخبازين، أكد رابح شيباني رئيس مصلحة مراقبة السوق في اتصال مع “الشعب” أن “مصالح الرقابة بدأت تتحرك لمتابعة قضية الزيادات غير المشروعة في سعر الخبز العادي المدعم الذي تعرفه المخابز عبر عدد من بلديات بومرداس”، نافيا في هذا الصدد “أن تكون هناك تعليمة أو قرار رسمي من قبل الوزارة الوصية لرفع السعر، بل أن الإجراء أحادي من قبل الخبازين بالرغم من التشاور والحديث عن هذه القضية، والاستماع إلى انشغالاتهم المتعلقة بارتفاع تكاليف المواد الأولية الأخرى التي تدخل في صناعة الخبز وليس مادة الفرينة التي توزع عليهم بسعر 2000 دينار للقنطار الواحد”.
المواد المدعمة.. قطرة في بحر الزيادات
وغطت الزيادات القليلة التي عرفتها بعض المواد المدعمة كزيت المائدة التي شهدت ارتفاعا تراوح بين 25 و50 دينارا للصفيحة من 5 لتر، إلى مادة الحليب الذي يسوق بطريقة شبه مقننة في مركبات التبريد عبر بلديات بومرداس بـ30 دينار و33 دينار في بعض المناطق عن حجم الزيادات الرهيبة التي عرفتها باقي المواد الأخرى الغذائية والاستهلاكية خارج التصنيف التي لم يعد لها سقف ثابت يوميا، ولم يستطيع المواطن مجاراتها، حيث عرفت بعض المواد زيادة تعدت 200 بالمائة حسب المتابعين للنشاط التجاري دون تبرير من قبل التاجر الذي يكتفي بكلمة “زادت” في رده على تساؤلات المواطنين.
ويبقى سعر البطاطا الذي قارب 150 دينار سنة 2021، أسوا ذكرى يحتفظ بها المواطن الجزائري والبومرداسي على الخصوص بالرغم من الطابع الفلاحي للمنطقة ووفرة الإنتاج، ومع بداية إنتاج البطاطا الجديدة المسوقة حاليا، إلا أن سعرها لم ينزل عن 75 دينار وبالتالي لا ينتظر المواطن أن يعود سعرها القديم المتراوح بين 35 إلى 45 دينار وفق المتابعين”.
وتشهد أسعار باقي المواد الأخرى من خضروات وفواكه ارتفاعا غير منطقي في الأسواق المحلية ونقاط البيع بالتجزئة بأسواق بومرداس مثلما وقفت عليه “الشعب”، حيث وصل سعر الفاصولياء الخضراء 400 دينار للكلغ لأول مرة، 180 دينار للطماطم، 117 دينار للفلفل، في حين تراوح سعر البرتقال بين 111 دينار إلى 180 دينار وهذا في عز عملية جني محصول شعبة الحمضيات، فيما يحتفظ سعر التفاح المحلي بسعره المرتفع أيضا بين 250 دينار إلى 400 دينار، أما اللحوم البيضاء فهي ثابتة بـ 450 دينار في القصابات و330 دينار لدى الباعة الفوضويين غير المرخصين.
وبمقابل هذا دخلت أسعار باقي المواد الأخرى ذات الاستعمال اليومي خاصة الكهرومنزلية حدود الخيال بنظر المواطن، حيث لم يعد يسيرا على ذوي الدخل البسيط والمتوسط اقتناء ثلاجة، جهاز تلفاز أو مكيف هوائي التي تضاعفت أسعارها بحجج واهية، ونفس الحالة تشهدها مواد البناء بالخصوص حديد الخرسانة الذي تضاعف سعره ليصل إلى 12500 دينار للقنطار بعدما كان في حدود 6500 دينار، وهوما اثر سلبا على مشاريع البناء العمومية والخاصة بالنسبة للعائلات التي استفادت من إعانات لبناء سكن ريفي.
النهوض من الكبوة أم..
كل التحليلات التي قدمها خبراء الاقتصاد والشؤون المالية ومنهم أساتذة بجامعة بومرداس أشارت الى “أن أزمة الأسعار الحالية عبارة عن تحصيل حاصل لنتائج جائحة كورونا التي ضربت الاقتصاد الوطني والعالمي في الصميم جراء توقف الإنتاج واغلب الأنشطة التي كانت تمون السوق بحاجيات المواطن اليومية”.
وقال أستاذ كلية الاقتصاد كمال حشين في لقاء سابق مع “الشعب”، إن جائحة كورونا أثرت سلبا على المخزون الوطني لأغلب المؤسسات والوحدات الإنتاجية التي وجدت نفسها بين ساعة وأخرى أمام شبح الإفلاس وتوقف الإنتاج بسبب إجراءات الحجر وتوقف العمال، وبالتالي زاد الطلب وهو أمر طبيعي لارتفاع الأسعار لأغلب المواد الاستهلاكية وذات الاستعمال اليومي، وعليه فنحن الآن نعيش فترة انتقالية بين مرحلتين وقد تأخذ وقتا لتعود الأمور إلى نصابها بعد عودة انتعاش المؤسسات الإنتاجية وتعافي الاقتصاد.
وعكس هذه النظرة المتوازنة للاقتصاديين والخبراء المنطقية الى أبعد الحدود، تبقى هذه الأفكار بنظر التيار الثاني المتشائم التي يمثلها المواطن صالحة في حدود قواعد الممارسة التجارية الصحيحة لقانون العرض والطلب، وليس لحالة الفوضى التي تعرفها الأنشطة التجارية محليا ووطنيا بسبب قبضة السماسرة والمضاربين المتحكمين في السوق الذين استطاعوا التلاعب حتى بالسعر المواد المقننة، وليس فقط باقي السلع التي لم تعد خاضعة للقيمة المالية، ناهيك عن سوء إدارة الموارد وضعف آليات المراقبة على النشاط التجاري الذي زاد من جشع التجار وشجعهم على سرقة قوت الجزائريين جهارا نهارا.