تعززت أدوات الدولة للوقاية من الفساد ومكافحته، بثلاث هيئات جديدة، واحدة دستورية تتمتع بالاستقلالية، وأخرى بصلاحيات تنفيذية فعالة، أما الثالثة فترسم الحدود الفاصلة بين نجاعة التسيير والأخطاء الإدارية والتعطيل الممنهج، كأحد مظاهر الفساد.
خلص اجتماع مجلس الوزراء، المنعقد، الأحد، إلى جملة من القرارات التي تصب في مواصلة التصدي للفساد والوقاية منه، مع الحسم في مصير الأموال والأملاك المسترجعة في إطار “استعادة الأموال المنهوبة”.
وتقرر رسميا، تفعيل السلطة الوطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، المستحدثة بموجب دستور نوفمبر 2020، وجاءت في الباب الرابع الخاص بمؤسسات الرقابة، أي إلى جانب المحكمة الدستورية، مجلس المحاسبة والسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
ووفق ما تنص عليه المادة 204 من الدستور، فهي “مؤسسة مستقلة”، تحدد صلاحياتها في المادة الموالية، بوضع إستراتيجية وطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، والسهر على تنفيذها متابعتها، وتجمع المعلومات وتعالجها لتبلغها للأجهزة المختصة، كما تخطر مجلس المحاسبة والسلطة القضائية كلما عاينت وجود مخالفات.
وفهم من اجتماع مجلس الوزراء، أن النص القانوني الذي يحدد تنظيم وتشكيل هذه السلطة وصلاحياتها، قد عرف تقدما لافتا، على أن يتم تنصيب هيكلها التنظيمي في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.
وإلى جانب هذه الهيئة الدستورية، أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، استحداث هيئة جديدة للتحري في مظاهر الثراء عند الموظفين العموميين، “بلا استثناء من خلال إجراءات قانونية صارمة لمحاربة الفساد عملا بمبدأ (من أين لك هذا ؟).
ومن المؤكد أن هذه الآلية، تتمتع بأدوات الفعالية وأسباب النجاعة، بأنها ستكون بمثابة وسيلة لرصد أولى مظاهر شبهات الفساد، وهو “الثراء”. وغالبا ما يرتبط الثراء (السريع خاصة)، بعنصرين أساسيين هما “سوء استغلال الوظفية عن طريق نهب المال العام أو تبديده” أو أن يقع الموظف العمومي في فخ أصحاب المال، في إطار ما يطلق عليه قانونا ” تحريض موظفين عموميين على استغلال نفوذهم الفعلي والمفترض بهدف الحصول على مزية غير مستحقة والاستفادة من سلطة وتأثير أعوان الدولة”.
هيئة التحري هذه ستكون بمثابة، “نقطة حساسة” للرصد والتحري، وأيضا حماية الموظف العمومي، من تأثير وسطوة المال الفساد.
وكشفت محاكمات الفساد التي جرت منذ سنة 2019، عن الارتباط الوثيق بين نهب وتبديد أعوان الدولة للأموال العمومية، وتحريضهم من قبل عدد من رجال الأعمال، وذلك منذ اختلاط المال بالسياسية، أواخر 2009، قبل أن يتغلب المال ويتغلغل في مفاصل الدولة إلى حد باتت فيه أركانها مهددة بشكل جدي مطلع 2019.
ومنذ 2017، حمل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون (وزير أول آنذاك)، لواء الفصل بين المال والسياسية. وفي ظرف سنتين، وضع الآليات القانونية اللازمة، لإبعادهما عن بعضهما البعض، عن طريق المؤسسات المستحدثة بموجب دستور 2020، ثم القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات.
مفتشية عامة
الأداة الثالثة التي توجت اجتماع مجلس الوزراء، تتعلق “بالتنصيب الرسمي للمفتش العام لمصالح الدولة والجماعات المحلية برئاسة الجمهورية”، أي أن سيكون المسؤول الأول للهيئة المسماة ” المفتشية العامة لمصالح الدولة” وتوضع تحت وصاية رئاسة الجمهورية.
وتعود فكرة المفتشية إلى سنة 2017، عندما أنشأها الرئيس تبون بصفته وزيرا أولا، يومها، وأحدثت زلزالا كبيرا في أوساط المنتفعين وعرابي فوضى إدارة وتسيير الشأن العام وبالأخص المال العام.
وبعد 5 سنوات تعود المفتشية من مكان أقوى وبصلاحيات أقوى لمراقبة ” نشاط المسؤولين المحليين”، لتنهي بذلك الفجوة الكبيرة بين المستوى المركزي والمحلي، وتقضي نهائيا على ظاهرة القرارات التي لا تطبق.
وسيقع على عاتق الهيئة ضمان النجاعة في تنفيذ البرنامج الرئاسي، ومخطط عمل الحكومة المصادق عليه من قبل البرلمان، وخاصة “تقويم وتقييم” التسيير العمومي، والفصل بين “الخطأ الإداري أو قلة الكفاءة التسييرية” وبين “التعطيل” الذي يعتبر مظهرا من مظاهر الفساد.
تطوير أدوات الدولة لمجابهة الفساد الذي ضرب أركان الدولة وأثر على مصداقيتها، في السنوات الماضية، سيرافق بإعادة النظر في الترسانة القانونية، حيث يجري العمل على مراجعة قوانين، الفساد، الإجراءات الجزائية والعقوبات، وستكون جاهزة بحلول مارس المقبل، بحسب ما أعلنه وزير العدل حافظ الأختام في وقت سابق.