من يستمع الى البروفيسور كمال بداري، رئيس جامعة المسيلة، وهو يتحدث عن “الجامعة المواطنة” وعن المواطن الذي ينبغي ان يحاسب الجامعة على ما تقدمه، سيهتم أكثر بما يقوله عن مشروع “الممرضة الذكية” في المستشفى الجزائري، وسيهتم أكثر بمن يتحدث عن علاقة خاصة بين الجامعة والمجتمع ولماذا تحتل جامعة المرحوم محمد بوضياف صدارة الجامعات الجزائرية منذ 2017..
تحدث رئيس جامعة المسيلة، في منتدى مواقع الشعب الإلكترونية، عن كثير مما يجري داخل أسوار الجامعة التي يديرها، ولا يعلمه كثير من الجزائريين، الذين “يأملون في تعزيز الأمل في مستقبل الجامعة والممكن فعله” على راي مصطفى هميسي، مدير عام الشعب وهو يقدمه لوسائل الإعلام، في خطوة أولى من اتفاق شراكة بين مؤسسة الشعب وجامعة محمد بوضياف بالمسيلة.
خطوة أولى..
خطت جامعة المسيلة خطوات معتبرة بين 2017 و2022، وهي جامعة لا تلوك كلماتها، طالما انها قفزت من تصنيف الجامعات الجزائرية من الترتيب 36 الى الأولى وطنيا، في نفس الفترة، والسبب يقدمه البروفيسور كمال بداري بنفسه.
هذه الجامعة، التي قامت بـ”تحليل تشخيصي” لمكامن القوة لديها في 2017، سريعا ما التصقت بالتحليل الاستراتيجي لما بين جنباتها، من عقول ومكان قوة، ورتبت أربعة محاور هامة، تسير على هداها، وعلى إيقاع “إنشاء مؤسسات ناشئة”، “قدرة التطور للمؤسسة”، “تكنولوجيا الاعلام والاتصال”، و”الابتكار”، ومنه ما بات عنوانا كبيرا لتميزها في السنين القليلة الماضية: 28 هدفا عاما، و77 هدفا عملياتيا، و407 إجراء.
يتكلم بدراي، بلغة الواثق مما يقول، عن محور انفتاح الجامعة على محيطها الاقتصادي والاجتماعي، البحث عن أفضل صيغة لإضفاء صبغة المواطنة على جامعة المسيلة فتصبح “جامعة مواطنة”، لا يفكر الداخل اليها في حارس بوابة، ولا في رئيس قسم ولا في رئيس جامعة، بل في الذي يقدمه للجامعة والمجتمع، وما الذي يضيفه الى جامعة تبحث عن حلول عملية من الآن، وبدائل لمهن ستندثر في السنوات العشر القادمة، مثلما يقول، وهو يعدل نظارته، ويطلق العبارة التالية: ستُخرّج جامعة المسيلة هذا العام 27 طالبا حاملا لمشروع مبتكر.. أي 27 صانع شغل، لا طالبا له!
جامعة منتجة للثروة
يقول بداري: الجامعة اليوم تعاني عزلتين، الاولى، تتعلق بالوسط الاجتماعي والثانية تتعلق بالمؤسسات الاقتصادية.
التحول من جامعة منتجة للشهادات الى جامعة منتجة للشهادات والمعارف والثروة، رهان يقود البروفسور بداري للتأكيد على أهمية انفتاح الجامعة على المحيطين الاقتصادي والاجتماعي والبحث عن مصادر تمويل للجامعة، على هذا المستوى والأفق في التفكير، بما يضمن استقلالية الجامعة ويدفعها الى المبادرة بخطوات أخرى لتعزيز دورها الريادي في صناعة المعرفة والثروة، خصوصا في فترة جائحة كورونا، التي افقدت المحروقات توازنها، وحفزت جوانب في الجامعات الغربية والوطنية، من خلال بدائل الرقمة والابتكار، والتدريس عن بُعد، والبحث عن صيغة أو صيغ لتنفيذ “الجامعة المواطنة”، التي تسعى الى تحويل الفكرة الى حقيقة اقتصادي ومالية واجتماعية.
التفصيل فيما تخفيه جامعة المسيلة عن عامة الناس، يُطلق لسان الرجل فيقول: جامعة المسيلة استطاعت إنشاء مؤسستين اقتصاديتين، واحدة في إنتاج الزيوت النباتية وأخرى في إنتاج وتسويق المواد الابتكارية.
ولا يكتفي البروفيسور بسرد هذه المعلومات، بل يقول إن بحوزة الجامعة التي يرأسها 27 براءة اختراع، مسجلة باسمها، وهو رقم لم تحققه جامعة جزائرية أخرى، في سباق المعرفة، ولباحثي هذه الجامعة وطلبتها المتميزين ناد خاص اسمه “مقهى الأعمال”، يجتمع الأربعاء، لدراسة ما يمكن فعله حيال الشراكة مع المؤسسات المحلية، وفق منطق “شراكة رابح-رابح”، التي يستطعمها والي المسيلة، الذي نجحت الجامعة في إقناعه بمساعدة حاملي المشاريع المتخرجين منها، وعلى ايدي اساتذتها، ولو عن طريق أدوات وإجراءات تقليدية، ريثما توجد أدوات وإجراءات جديدة تواكب التطور الحاصل في هذه الجامعة، وريثما تتأقلم الإرادات المحلية مع ما يجري تنفيذه من تغييرات في نظرة المجتمع للجامعة، ونظرة الطلبة للمستقبل، من منظور “الممكن فعله حينا”، والقابل للتنفيذ لاحقا..
الرقمنة و12 منصة جاهزة
في ظرف وجيز، أوجدت هذ الجامعة 12 منصة الكرتونية أنجزت بسواعد وعقول إطاراتها وباحثيها، وهي منصات تساهم، يقول بداري، في “مهمات فواعل الجامعة”، وتسهل التعليم عن بُعد، والتواصل مع المحيط المباشر للجامعة ومن له رغبة في التعامل معها، وأشياء أخرى، تستطيل حسب الحاجة الى هذه المنصات، التي تفتح باب المستقبل للمسيلة، ولطلبتها، وتُدخلها في عالم يتجدد بريتم، كورونا وما فعلته في قطاعات كثيرة، وفي هذه النقطة، لا يشكو طلبة جامعة المسيلة من التدريس، المتوفر لهم بكم هائل “عن بُعد”، في وقت فعلت “البجعة السوداء”، مثلما يقول بداري” فعلتها في العالم وعطلت أكثر من مليار طالب عن متابعة تعليمهم عن بعد، في بداياتها.. “التعليم عن بعد تجربة رائدة في جامعة المسيلة”، ليس في زمن كورونا، بل قبلها، يؤكد البروفيسور، الذي يفتخر بوجود اربع مؤسسات ناشئة تعمل بقلوب اكتسبتها من جامعة محمد بوضياف..
الجامعة المواطنة
“الجامعة ليست للجامعيين”.. جملة تأخذ كامل معانيها والبروفيسور بداري يشرح لماذا اختار هذه الكلمات لتحديد وجهة ما يريد قوله عن علاقة الجامعة بمحيطها الاجتماعي والاقتصادي، على اعتبار أنه يرى الجامعة، او على الأقل جامعة المسيلة، من زاوية ” على المواطن أن يحاسب الجامعة على نتائجها”، في إطار الجامعة المواطنة، التي يدافع عن وجودها وعن ضرورة الانتقال اليها، وترك ما ينبغي تركه، تحسبا لما سيأتي به مستقبل الرقمة الزاحف على قطاعات كثيرة، وعلى عقول تتأقلم بسرعة البرقة مع ذلك، في العالم، وعلى العقول الجزائرية أخذ ذلك في حسبانها وحساباتها الآنية واللاحقة.
في هذا الجانب، يقول بداري، “كلفت لجنة بالدخول في سباق تصنيف شانغهاي للجامعات العالمية”، بعدما شاركت جامعة المسيلة في مسابقة تصنيف مماثلة، لكن أقل شأنا من تصنيف شانغهاي، وأول شرط للمشاركة في مثل هذه المسابقة ان يكون للجامعة مؤشر قوي عن “مركزة العقول” لديها.
تسعى جامعة المسيلة لكي تكون فعلا جامعة مواطنة، ونموذج لذلك بالنسبة لجامعات أخرى، وهي تتحضر لتهنئة “متخرجي ستارت آب”، في اول دفعة من نوعها في جوان المقبل، وهي دفعة “لديها قدرة كبيرة على التطور والابتكار، وقادرة على وضع مخططات بزنس”.
من جانب آخر، بدأت الجامعة ترى أفكار مبدعيها تتجسد على ارض الواقع، وما القرية السياحية التي تنجر في جانب، من أفكار وساعد خريجي هذه الجامعة، إلا تنفيذ لحلم رواد طلبة دخلوها، ولم يكن الحارس عائقا لهم، ولا معيد في قسم، ولا رئيس الجامعة نفسه..
آلاف المهن التي ستندثر..
تنظر عقول جامعة المسيلة حاليا في مشروع الممرضة الذكية، التي سيكون عليها مراقبة المريض في المستشفى، متى اكتمل المشروع، الذي يقدمع بداري على أساس احد المشاريع الابتكارية للجامعة التي يراسها.
المشروع المدرج في إطار الذكاء الصناعي، واحد من رهانات هذه الجامعة، التي ترى انه على الجزائر ان تستعد لعدد أكبر من الطلبة، الذين تقول التوقعات انهم سيصلون مليونا طالب، بعد أربع سنوات، وهم حاليا في حدود مليون و600 ألف طالب، ومه هذا الرقم استعداد الى مهن ستزول وكيف تعوض بتكوينات أخرى مواكبة للعصر والأوان.
وقدم بداري أرقاما كثيرة وقراءات حيال جامعات غربية وكيف نجحت في تحويل الفكرة الى واقع اقتصادي، وكيف نجحت الجامعات الأمريكية في تحقيق موارد مالية سنوية من مبيعات مبتكارتها تساوي 100 مليار دولا، ومن خلال منتجات 900 جامعة، 300 منها مميزة وممتازة، ولا تحاول ان تكون نسخة طبق الأصل عن أخرى، وتضع دائما نصب اعينها ان تكون لديها استقلالية مالية، ونوعية في التكوين والتنوع.
ومما يقوله رئيس جامعة المسيلة أن آلاف المهن ستندثر في العالم، بعد عشر سنوات، من يوم الناس هذا، وفق توقعات تقول إنه على كثير من الشعوب تحضير نفسها، ليس فقط لما بعد البترول، بل لما بعد عشر سنوات ومفاجآتها في الطريق..