ليس مستغربا، بإطلاق، أن تطالب البلديات بشاهدين اثنين للمصادقة على وثيقة ما، فـ «الشّاهدان» يتحمّلان مسؤولية ما تقرّ به الوثيقة، وبهذا يخلي صاحب المصادقة مسؤوليته في الموضوع، وتكون الوثيقة شرعيّة وفق مقتضيات الشّرع والقانون، لكنّنا نرى أنّ هناك بعض المبالغة في المطالبة بـ «الشّاهدين» حين يتعلّق الأمر بوضع يمكن التّأكد منه، دون حاجة إلى شهود، ومن ذلك (وثيقة عدم العمل) التي يمكن التأكد منها مباشرة من المؤسّسات المعنية بالتأمين مثلا، ولا ندري لماذا يطالبون في كلّ مرّة بـ «شاهدين اثنين»، فمؤسّسة الضمان الاجتماعي – على سبيل المثال – تطالب بإثبات (عدم عمل الزّوجة)، وهذه يمكن أن يتحمّل مسؤوليتها «الزّوج» وحده، دون حاجة إلى شهود عدول، خاصة وأنّ مؤسّسة الضّمان الاجتماعي مرقمنة، ويمكن أن تكتشف وضع الزّوجة بمجرّد إدخال اسمها في قاعدة البيانات العامة.
نقول هذا كي نشير إلى مسألة غاية في الأهمية؛ ذلك أنّ كثرة المطالبة بـ «الشاهدين الاثنين»، ميّعت مفهوم «الشّهادة» نفسه، فصارت المسألة تقنية محضة، لا تكاد تدرك علاقتها بالمفهوم، فالناس جميعا يعرفون أنّ المصادقة – في حالة عدم عمل الزّوجة – شكليّة، والشّهادة شكليّة، والوثيقة نفسها شكليّة، وعلى هذا، صاروا «يشهدون» دون علم، لأنّهم يقصدون المساهمة في تخليص المواطن من عبء الوثيقة التي لا معنى لها، دون أن يحسّوا بأنّهم أقدموا على «شهادة» يمكن وصفها بأنّها من (الزور) الخالص، كي يتحوّل «الزور» مع الوقت، إلى ممارسة طبيعيّة، بل إنّ الموظف بالبلديّة هو نفسه من ينصح طالب المصادقة بالبحث عن أيّ كان كي يشهد معه، لأنّه يدرك جيّدا أن الضّمان الاجتماعي سيكتشف الخلل في الوثيقة إن كان التّصريح بها كاذبا.
ينبغي التّخلص، إذن، من الفروض البيروقراطية غير المجدية، فهي، زيادة على ما تسبّب من إرهاق وتعب أعصاب، تحدث أضرارا بالغة بالمفاهيم الاجتماعية المؤسِّسة، ولا أعتقد أنّ كاتب السّطور يحتاج إلى شاهدين كي يثبت هذا الوضع..
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق