فكرة «الأسواق الرمضانية» التي توزّع موادّها بالتّخفيض، تبدو مبرّرة بالنّظر إلى الغلاء الفاحش (غير المبرّر) الذي تشهده السّوق عموما، ولكنّنا نعرف جميعا أنّها فكرة «قديمة» تتكرّر كلّما استبشرنا بقدوم شهر رمضان المبارك، دون أن تقدّم بديلا يحلّ مشكلة المواطن في الوصول إلى قوت يومه؛ فنحن نسمع في كلّ عام عن هذه «الأسواق الرّمضانية»، وكثيرا ما نشهد على «الزحمة العضال» التي تتواتر بها..
ولا نشكّ في صدق نوايا أولئك الذين يحرّكون دواليب «الفكرة» كلّ عام، فهم يرغبون – بالتّأكيد – في رفع الغبن عن المواطن، ويرجون أن يوفّروا له مواد غذائية بأسعار معقولة، غير أن تواتر الفكرة وتكرارها، يوحي بأن أدوات التّفكير عندنا، مخصّصة حصرا للشهر الفضيل، دون غيره من أشهر السّنة التي (يضطرّ) فيها المواطن إلى اللّهث وراء لقمة عيشه، ويجد نفسه في حالة اضطرار دائم للرّضوخ إلى إملاءات المضاربين والمحتكرين ومصاصي الدّماء ممّن يهيمنون على الأسواق، ويفرضون (قانونهم) دون أن يجدوا من يكفّ أياديهم عن الناس، ولا حتّى من يسائلهم عمّا يقترفون في حق المواطنين.
أي نعم، فكرة «سوق رمضانية» جيّدة وممتازة ورائعة، ولكنّها لا ينبغي أن تتحوّل إلى واقع حال، أو فريضة وجود، لأن المفترض منها أنّها «إجراء استعجاليّ» يقصد إلى تجاوز «حالة» معيّنة ينبغي الحرص على التّخلص من أسبابها، ومتابعة صنّاعها، وتجفيف منابعها، فإذا تكرّرت الفكرة، فهذا يعني تلقائيا أنّ ميكانيزمات (خنق المواطن في قوته) تبقى قائمة وثابتة وراسخة، ولن تتأثر مطلقا بالإجراء الاستعجالي الذي يكشف عن كونه مجرد «نشاط واجهاتي» قاصر عن أداء وظيفته التي تحرّكها النّوايا الطّيبة..
هناك سؤال جوهري تطرحه فكرة «السّوق الرّمضانية».. هل فعلا نتذكّر «الأكل» في شهر الصّوم؟! إذا كان الجواب إيجابيا، فهذه كارثة أخرى..